عادي
حلم يراود الشاب خلال المراهقة

مفتاح سيارة الأهل.. إشارة يكسرها الأبناء

22:58 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: زكية كردي

الجلوس خلف المقود والانطلاق بالسيارة للمرة الأولى، حلم يراود كل شاب خلال مرحلة المراهقة، يفصله عن هذا الحلم بضع سنوات، أو أشهر، إلى أن يصل إلى السن القانونية للحصول على رخصة القيادة، في ظل وجود قوانين واضحة تمنعه من ممارسة قيادة السيارة قبلها؛ لذا لا توجد إلا طريقة وحيدة يعرفها كثير من الشبان الذين يصرون على التشبث بهذه المغامرة التي قد تكون قاتلة، فيبدأون الترصد بمفتاح سيارة الأب أو الأم ليحظوا بهذه الفرصة التي تراود أحلامهم كثيراً، لكنها تجربة محفوفة بالمخاطر.

تنطوي مغامرة استعارة سيارة الأب من دون علمه على الكثير من المتعة بالنسبة لأي شاب في مقتبل العمر، بحسب راميا جمال، ربة منزل، مضيفة: «لم أقدم على هذا الأمر بنفسي، ربما لأن الفتيات أقل جرأة واهتماماً بموضوع القيادة من الشبان، إلا أنني كنت أشعر بسعادة كبيرة عندما كان أخي يتسلل ليأخذ مفاتيح سيارة والدي بعد أن ينام ويأخذنا في نزهة ليستعرض قدراته في قيادة السيارة، الأمر لم يكن ينطوي على الكثير من الخطورة حينها، فقد كان يفعل هذا في إجازة الصيف عندما كنا نقصد مزرعة العائلة، أي في منطقة نادراً ما تمر فيها سيارات».

أما محمد عبد الحميد، صاحب محل قطع غيار، فيرى أنَّ هذه المرحلة طبيعية في حياة كلِّ شاب، فمعظمهم يتوق إلى إثبات قدراته للأب من خلال هذه السلوكات، ويوضح أنَّهم ضمنياً يسعون لنيل إعجابه، ولفت انتباهه إلى كونهم تعدوا مرحلة الطفولة، وأصبحوا جاهزين للخروج من سلطته، ويقول: «أذكر أني كنت أستيقظ مع أذان الفجر، وأتسلل لأحصل على مفتاح سيارة والدي خلسة، ثم أسرع إلى صديقي لننطلق في الشوارع التي تكون شبه خالية في هذا التوقيت».

ويرى أحمد الجميلي، موظف حكومي، أنَّ الأب له دور كبير في خلق هذه الرغبة والدافع، خصوصاً للابن الأكبر الذي يرى فيه الإنجاز الأهم في حياته، ويترقب رؤيته حينما يغدو رجلاً كاملاً يعتمد عليه، ويقول: «معظم الآباء يحبون أن يشرفوا بأنفسهم على تعليم أبنائهم قيادة السيارة، ومشاركتهم هذه التفاصيل حولها، خصوصاً إن كان الأب مولعاً بالسيارات، ولهذا نجد الطفل منذ طفولته يسأل عن كيفية القيادة، وعن كل التفاصيل التي تتعلق بالسيارات، فيركِّز عليها ويراقب والده جيداً وهو يقود، وما إن يشعر بأنَّه أصبح جاهزاً للقيادة حتى تبدأ فكرة الحصول على فرصة لقيادة السيارة تلح في رأسه، وغالباً ما يبدأ هذا الهاجس في عمر ال15 لدى الكثير من الشباب، خصوصاً إن وجدوا التشجيع من الأصدقاء، وما يقصونه لهم عن تجاربهم ومغامراتهم بهذا الخصوص، بغض النظر إن كانت صادقة أم لا».

توافقه الرأي أمينة الحسن، ربة منزل، وتقول: «أذكر أنَّ مهمة تعليم قيادة السيارة في الماضي كانت منوطة بالأب أو الأخوة الأكبر، وربَّما الأصدقاء ممن يجيدون قيادة السيارة، فلم تكن رفاهية امتلاك السيارة متاحة للجميع، وبالطبع وقتها كانت الطرق أقل ازدحاماً، والسيارات تسير بسرعة أقل مراعاة للمارة، أمَّا اليوم، فالأمور اختلفت، وصارت القيادة تحتاج إلى وعي بقوانينها قبل تعلمها».

وتضيف: «أحياناً يعتبر التنفيس نوعاً من المراضاة التي تقنع الأبناء، فبعض الآباء يستغلون فرصة الذهاب إلى الصحراء لمنح أبنائهم هذا المتنفس لقيادة السيارة وهم بجوارهم؛ حيث تنخفض نسبة الخطورة، خصوصاً إذا كان الأب يثق في قدرته على التصرف، ويجيد تقدير قدرات ابنه، ولعلَّ بعضهم يجد في هذا تصرفاً يعزز ثقة الأبناء بأنفسهم، وتعزيزاً للعلاقة معهم».

وترى نورا جمعة، ربة منزل، أنَّ وعي الأبناء بما يمكنهم فعله، والحدود التي يمكنهم تجاوزها يتعلق بالدرجة الأولى بوعي الأهل وتقديرهم لخطورة الأمر على أبنائهم وعلى الآخرين أيضاً، وتقول: «من الطبيعي أن يشعر معظم الشباب بالرغبة في قيادة السيارة لأول مرة، ولا يستطيعون صبراً حتى الوصول إلى السن القانوني، لكنَّ هناك الكثير من الشباب يرفضون ارتكاب الحماقات، اقتناعاً منهم بمسؤوليتهم تجاه أنفسهم والمجتمع، وهذا يعود إلى قدرة الأهل على زرع الوعي لديهم، في حين يعتاد الأبناء الآخرون على التجاوزات على أنَّها أمر طبيعي في الحياة، فيتعاملون مع قيادة السيارة على أنها تتعلق بالقوانين التي يخشاها الأهل ويتجاهلون الأسباب الحقيقية التي تتعلق بحجم خطورة هذه المغامرة».

ثقافة ووعي

أوضح د.جاسم خليل ميرزا، أكاديمي وإعلامي إماراتي، أنَّ القانون في دولة الإمارات يجرّم قيادة السيارة من دون ترخيص، كما أنَّ الآباء يتحملون مسؤولية قيادة أبنائهم للسيارة من دون السن القانونية، وعن تسهيل المهمة لهم أو تشجيعهم كما يحدث في بعض الحالات، ويقول: «الموضوع يتعلق بالثقافة والوعي، وعلى الأهل أن يوعوا أبناءهم بخطورة هذا الأمر، فالكثير من المراهقين كانوا سبباً في قتل الأبرياء، وراحوا ضحايا لاستهتارهم واستهتار أهلهم بالأمر، وعدم تعاطيهم مع الموضوع بجدية، لابد من فتح هذه المواضيع مع الأبناء ونقاشها معهم وتوضيح خطورتها بشكل جاد وواعٍ».

ويضيف أنَّه عايش هذه المرحلة مع أبنائه في مراهقتهم، ومرَّ بالكثير من القصص التي تتعلق بهذا الموضوع في محيطه، حيث يتسلل الأبناء لسرقة مفاتيح سيارة الأب، أو يغفلون السائق ويقنعونه بأخذ السيارة، لهذا على الأهل أن يحتاطوا جيداً، لأن التغافل في مثل هذه المواقف قد يتسبب بحوادث مؤسفة لهم وللآخرين.

دوافع فطرية

تعتبر آية مصطفى، مرشدة اجتماعية، أنَّ حلم قيادة سيارة الأب يتعلق بالتطور النفسي لدى الابن، فعادة ما يكون هذا الصراع على مفتاح السيارة ما بين الابن والأب لا مع الأم، فالابن ينظر إلى الأم غالباً على أنَّها الطرف المساند، وقد يطلب منها مساعدته، ويجيد إقناعها إن كانت بسيطة ومتساهلة، إلا أنَّه يرى في شخصية الأب ذلك الند الذي يجب أن يثبت له أنَّه أصبح قادراً على تجاوز سلطته، حتى وإن لم يكن واعياً ومعترفاً أمام نفسه بهذه الدوافع الفطرية، وبالتالي تعد هذه الحالة طبيعية جداً، وعلى الأهل التعامل معها بتروٍ وحكمة والاعتماد على الوعي والحوار لنقاش المخاطر التي تترتب على تساهلهم مع ابنهم المراهق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"