لبنان وأزماته العربية

00:49 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

لم يكن مستغرباً فتور الاستقبال الخليجي لرد لبنان على المبادرة الكويتية التي تستهدف «بناء الثقة» بعد الأزمات المتكررة بين لبنان ومحيطه العربي، ودول الخليج بشكل خاص. ورغم ترحيب الكويت بالرد اللبناني والتصريح بأنه قيد الدراسة، إلا أن ما يتداوله الإعلام يوحي بأن الرد الذي قال وزير الخارجية اللبناني إنه تمت صياغته من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لم يلبّ شروطاً أساسية تضمنتها المبادرة الكويتية.

 وغالباً ما تسعى الكويت في جهود المصالحة بين الأشقاء الخليجيين والعرب كلما تفاقمت أزمة ما، وهذا جهد محمود من بلد يكنّ له الجميع التقدير، وبالتالي لديه رصيد طيب لدى الكل، يمكنه من القيام بتلك الجهود. لكن مشكلة لبنان، خاصة مع دول المنطقة الأخرى، ليست وليدة الأزمات التي تفجرت العام الماضي، واعتبرت تدخلاً في الشؤون الداخلية لدول عربية خليجية. ولا حتى سببها الانتقادات التي تصدر من بيروت تجاه بعض الدول التي كانت لعقود مصدر دعم ومساعدة للبنان.

 تضمنت المبادرة الكويتية التي حملها وزير الخارجية الكويتي للمسؤولين اللبنانيين ثلاثة جوانب، هي: التضامن العربي والخليجي مع الشعب اللبناني، وعدم التدخل اللبناني في شؤون الدول العربية، وإيفاء لبنان بالتزاماته وتحديد مدى زمني لتطبيق قرارات الشرعية الدولية والعربية. والجانب الأخير هو المطلب الخليجي الذي لا تستطيع حكومة لبنانية الرد عليه بحسم، لأنه يتضمن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 لسنة 2004 بنزع سلاح الفصائل المسلحة خارج الحكومة اللبنانية الشرعية.

 الجانب الأخير هو مشكة لبنان الحقيقية في علاقته، ليس مع محيطه فقط، بل مع أغلب دول العالم تقريباً: سلاح «حزب الله». ورغم أن ذلك يبدو «شأناً داخلياً لبنانياً» إلا أن كونه هكذا ينتهي حين تتقدم مصالح الحزب، على مصالح لبنان، كدولة وشعب.

 ولطالما استضافت بيروت معارضين عرباً، حتى من دول الخليج، في سابق الزمن، ولم تكن هناك مشكلة. وأذكر أصدقاء قطريين وعراقيين، على سبيل المثال، ظلوا سنوات طويلة يقيمون في لبنان بسبب مشاكلهم مع بلدانهم لكنهم لم يستخدموا البلد الذي يقيمون فيه منصة لإيذاء بلدهم الأم. أما أن تستضيف بيروت ما وصفت بأنها «معارضة بحرينية» تستهدف زعزعة استقرار بلد خليجي فذلك يتجاوز الحدود، ولا يمكن وصفه إلا بأنه «تدخل في شؤون دولة ذات سيادة». 

 قبل عدة سنوات، وفي لقاء ليس للنشر مع مسؤول رفيع في دولة خليجية، قال إن سياسة دول مجلس التعاون تجاه لبنان تغيرت. وشرح بالتفصيل كل محاولات موازنة العلاقات مع الدولة والقوى السياسية والتي لم تسفر عن أية نتيجة، بسبب عدم جدية أي طرف لبناني في تقديم المصالح المشتركة مع دول الخليج على أهداف «حزب الله». وأكد المسؤول الذي كان يشغل منصباً حساساً في بلده وقتها، أن دول الخليج لم تتوان عن مساعدة الشعب اللبناني ودعم لبنان في أوقات الشدة، لكن ردود الفعل جاءت مخيبة للآمال.

 هذا اليأس الخليجي من إصلاح الداخل اللبناني بما يمكّن حكومته من التعامل مع الشركاء والأصدقاء الداعمين لها بجدية وثقة متبادلة، وصل قمته قبل سنوات. ومع ذلك، ظلت المحاولات تتوالى مع دخول لبنان في مرحلة من الاضطراب وشبه الانهيار الاقتصادي بغرض إنقاذ شعبه. لكن التطورات في الفترة الأخيرة، خاصة الدعم الذي يقدمه «حزب الله» اللبناني لميليشيات الحوثي المتمردة في اليمن في مواجهة تحالف دعم الشرعية، وضعت لبنان كله في خط أقرب للمواجهة.

 يختلف ذلك عن موقف قوى مماثلة في العراق، مثل التيار الصدري الذي أعلن زعيمه مؤخراً، رفضه «زج العراق في صراعات تنال من استقرار دول المنطقة». لكن لبنان الدولة لا يستطيع حتى الحفاظ على سياسة «النأي بالنفس» التي تم تبنيها كأساس للمواءمة بين الدولة والحزب.

 بالطبع، يظل الأمل قائماً في أن تنجح الجهود الكويتية في تسوية خلفيات أزمة لبنان، فلا أحد يريد للشعب اللبناني أن يعاني شظف العيش نتيجة أن فئة منه تريد الاستمرار في تنفيذ استراتيجية في غير مصلحة لبنان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"