عادي
ورش تنصح بإزالة الفلتر لتستفيد من محتواه

«دبة البيئة» تساوي وزنها ذهباً

01:03 صباحا
قراءة 5 دقائق
طمع تحول إلى سرقة

تحقيق: راشد النعيمي

لم تعد سرقة السيارات مقتصرة على المحتويات الشخصية لصاحبها، بل تطورت الأمور إلى أبعد من ذلك؛ حيث وصلوا إلى محتوى لم يكن في الحسبان، بل من الصعب أن تلحظ اختفاؤه، وأحياناً يسرق منك برضاك عبر استشارة ونصيحة ظاهرها مصلحتك، لكنها تخفي ربحاً لمن أطلقها، أما الأكثر غرابة فهو أن السرقة أصبحت أكثر تنظيماً، وبدأت تدار عبر عصابات محترفة سجلت الدولة عدداً منها، وصلت إحداها إلى استهداف 431 سيارة.

هذا الكنز الذي بات مطمعاً للكثيرين هو فلتر البيئة المرتبط بعادم السيارة، والذي يسمى محلياً (دبة البيئة)، أما سر الاهتمام به فهو احتواؤه على معدن البلاديوم، الذي يستخدمه مصنعو السيارات من أجل الحدّ من معدلات انبعاث الغازات الملوثة للجو عند احتراق البنزين، والذي يصل سعره حاليا إلى 1353 دولاراً للأونصة الواحدة، وهو بذلك يتخطى سعر الذهب، ويوجد هذا المعدن بقطعة تقع تحت السيارة وتتصل بعادم السيارات اسمها المحول الحفاز أو (catalytic converters).

عصام إبراهيم البدوي، ورشة تصليح للسيارات يقول: طفت على السطح في الآونة الأخيرة ظاهرة استغلال القطعة الموجودة بين محرك المركبة والعادم، والمعروفة ب «دبة البيئة» وذلك لاحتوائها على مادة البلاديوم، والتي تُستخدم في صناعة الذهب والأسلاك والمواد الطبية وغيرها، مشيراً إلى أهميتها في تحويل الغازات السامة الناتجة عن احتراق الوقود مثل أول أكسيد الكربون إلى غازات غير ضارة.

وذكر أن (دبة البيئة) غالية الثمن؛ حيث يصل أحياناً إلى 5 آلاف درهم، وهو ما يجعل الزبون يُفضل تفريغها من العوادم الموجودة فيها وتعديلها بالقص واللحام ومن ثم إرجاعها، إلا أن البعض من أصحاب النفوس الضعيفة، ينجح في إقناع صاحب المركبة باستبدالها والتخلص من القديمة نهائياً، بغرض أن يستفيد هو منها.

المعاينة بالعين المجردة

ونصح عادل البدوي، أصحاب المركبات بالتأكد من عدم صلاحية (دبة البيئة) قبيل استبدالها، وذلك من خلال المعاينة بالعين المجردة بعد فكها، وأيضاً من خلال أجهزة الكمبيوتر المخصصة لفحص المركبات، والتي يتم من خلالها التأكد من عدم صلاحية دبة البيئة، مؤكداً أنه في أغلب الحالات يمكن تنظيفها وإعادة تركيبها لتعمل بنفس الكفاءة، وهو ما يحول دون التعرض للاستغلال وتكبد دفع قيمة قطعة جديدة.

مهمة وضرورية

من جانبه ينبه المبرمج وأخصائي تصليح المركبات عبدالعزيز الشيدي إلى أهمية فلتر البيئة أو ما يسمى (catalytic converters) كمكون من مكونات السيارة المرتبط بأدائها أولاً، وكالتزام نحو البيئة ثانياً من حيث إنها تحول الغازات السامة المنبعثة من المحرك إلى غازات أقل ضرراً أي من الكربون إلى ثاني أكسيد الكربون والماء، حيث يتمحور دورها على هذا الأساس، مؤكداً أن الاستغناء عنها يسبب مشاكل فنية وبيئية.

وأوضح الشيدي أن سرقة هذا الجزء من السيارة سببه غلاء المكونات الداخلية المتمثلة في مادة البلاديوم التي يعاد بيعها إلى مشترين بأسعار مرتفعة، لذلك يسعى بعض العاملين في المجال إلى تضليل أصحاب السيارات ودفعهم إلى التخلص منها على أمل انتهاء بعض المشكلات الفنية التي قد يعانون منها، وهو أمر غير صحيح؛ حيث يكمن الحل في تنظيفها فقط، وذلك عبر طرق مختلفة ومستحضرات متوفرة في السوق، أما عملية قطعها والتخلص منها فإنها تؤدي على زيادة في استهلاك الوقود، إضافة إلى التسبب في تلوث يؤدي إلى انتشار رائحة الكربون من العادم، والتي تؤدي بدورها إلى حرقان في العيون.

الصورة
1

عصابات احترافية

ومن الوقائع الشهيرة في هذا المجال والتي جرت منتصف العام الماضي القبض على خمسة متهمين (آسيويين) في دبي وتحويلهم لاحقاً إلى محكمة الجنايات بتهمة سرقة وإتلاف عوادم 431 سيارة وسرقة فلاترها، وتقدر قيمتها بثلاثة ملايين و640 ألف درهم، عائدة إلى شركتي تأجير سيارات في دبي.

وأفادت تحقيقات النيابة العامة، بأن المتهمين استأجروا السيارات من الشركتين ونقلوها إلى كراجات وعزبة مستأجرة في إمارة أخرى، وقصوا العوادم منها، واختلسوا الفلاتر، ثم قاموا بتلحيم العوادم مرة أخرى، وإعادة السيارات إلى الشركتين. وأقر أحد المتهمين في التحقيقات بالاشتراك مع آخرين، بإتلاف عوادم السيارات وسرقة فلاترها، وأقر بالاستيلاء على الفلاتر الموجودة في عوادم السيارات، بالاشتراك مع المتهمين الآخرين.

وذكر أنه طلب من أحد المتهمين أن يستأجر المركبات مقابل 180 درهماً لكل مركبة، ثم يسلمها له ويعود إليه بعد أربع ساعات حتى ينتهي من قص العادم وسرقة الفلتر، ثم إعادة المركبة، مشيراً إلى أنه عندما زاد عدد المركبات المستأجرة، استدعى بقية المتهمين لمساعدته في تنفيذ الجريمة. وذكر مندوب علاقات عامة في إحدى الشركتين، أنه اكتشف أن عوادم السيارات لا تحتوي على الفلاتر، فأبلغ الشرطة بالواقعة.

أما الواقعة الأحدث في هذا المجال فهي حكم محكمة الجنايات في دبي، بحبس عصابة إفريقية 3 أشهر وتغريم أفرادها بالتضامن 4 آلاف درهم، وإبعادهم عن الدولة بعد قضاء عقوبتهم، لإدانتهم بسرقة أجهزة حماية البيئة من انبعاثات الكربون الموجودة في عوادم المركبات، وبيعها حيث تعود وقائع القضية إلى سبتمبر/ أيلول 2021 حين اكتشف مشرف مبيعات بشركة لتأجير المركبات، صوتاً مرتفعاً في إحدى مركباته المتوقفة أمام أحد المحال في منطقة رأس الخور الصناعية في دبي. وحسب إفادته فإنه توجه مباشرة إلى ورشة لفحص المركبات، حيث أكد الفني أن جهاز حماية البيئة في المركبة أزيل، وهو السبب الرئيسي في صوت المحرك المرتفع.

ظاهرة عالمية

عالميا شهدت سرقة هذه المحولات ارتفاعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، فبولاية فيرجينا الأمريكية، تمت سرقة أكثر من 15 محولاً محفزاً في يوم واحد من سيارات ركنها أصحابها خارج مجمعات سكنية وفي المملكة المتحدة، يفضل اللصوص السيارات الأوروبية مثل بي إم دبيلو، و أودي و فولسفاغن. وقد تباع هذه المحوّلات في سوق الخردة بمبالغ تصل إلى 400 دولار.

وتداولت مواقع إعلامية بريطانية شريط فيديو للص قام بسرقة المحول في وضح النهار وعلى الطريق العام، مسبباً ازدحاماً مرورياً، دون أن يعير بالاً للمحيطين به أو بحركة السير الخانقة التي تسبب بها، وما إن أنهى «عمله» حتى عاد أدراجه وركب سيارته التي ركنها قرب السيارة المسروقة، وسط ذهول وحيرة من مصور الفيديو.

أما في ولاية ميسوري، فوضع لصوص أنظارهم على الشاحنات، وتم أخذ أجهزة مكافحة التلوث من حوالي 20 شاحنة متوقفة في موقع واحد على مقربة من سانت لويس، وهو اختيار ذكي لأن السيارات الكبيرة تستخدم المزيد من المعادن البلاتينية في محولاتها.

وقد تحتوي السيارات العادية أو الشاحنات الخفيفة أو الدراجات النارية ما بين 2 و 6 جرامات من المعدن النفيس، في حين أن سيارات الدفع الرباعي والشاحنات الأكبر حجماً قد تحتوي على أونصة تقريباً.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"