روسيا والغرب وحقبة الانهيار

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

رغم اهتمام الولايات المتحدة بالمواجهة مع الصين، لكن تبقى العين على روسيا، العدو التقليدي، ويبقى تصميم الغرب القضاء على هذه الدولة عن طريق تفكيكها، خاصة بعدما ورثت روسيا ترسانة الاتحاد السوفييتي السابق، النووية والعسكرية، وبعد ذلك يسهل عليه ابتلاع الصين، والوصول إلى العصر الألفي السعيد الذي تحلم به الولايات المتحدة، وأن تحكم العالم لألف سنة مقبلة.

 ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، والمنظومة الشيوعية في دول شرق أوروبا، في مطلع التسعينات من القرن الماضي، بدأت الولايات المتحدة، وحلفاؤها الغربيون، يتقدمون نحو حدود روسيا، فتم ضم معظم دول شرق أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي، ومن ثم تم ضمها إلى حلف شمال الأطلسي، واستمرت عملية التقدم ببطء وحذر حتى وصلت إلى جورجيا في قلب القوقاز، التي حدثت فيها ثورة ملونة، وأعلنت عن مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، واتخذت موقفاً عدائياً من روسيا، وبدأت تتدخل وتطالب بضم أوسيتيا، وأطلقت عملية عسكرية لضمها بالقوة. وفي صيف 2008، تحولت هذه التوترات إلى نزاع حين تدخل الجيش الروسي في الأراضي الجورجية لنجدة أوسيتيا الجنوبية، وخلال خمسة أيام، ألحقت القوات الروسية هزيمة بالجيش الجورجي، وهددت بالسيطرة على العاصمة. وأدى اتفاق سلام تفاوض عليه الرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، إلى انسحاب القوات الروسية، لكن موسكو اعترفت باستقلال منطقتي «أوسيتيا الجنوبية» و«أبخازيا» واحتفظت منذ ذلك الحين بوجود عسكري كبير فيهما.

 ولا تزال جبهة جورجيا مهددة بالاشتعال مع إصرار القيادة الجورجية على اللحاق بالغرب. ومن ثم تمكن الغرب من تخريب أوكرانيا عبر ثورة ملونة قام بها القسم الغربي من سكانها، ما دفع روسيا إلى التدخل لحماية نفسها، فدعمت القسم الروسي الشرقي، ولا تزال أوكرانيا جبهة مشتعلة، والغرب لا يريد لها أن تنطفئ عبر تسوية، بل إنه يشجع القيادة الأوكرانية على المزيد من التصلب في مواجهة روسيا.

 واليوم تقف المسألة عند حدود حرب صامتة تدور في الخفاء، فالإبقاء على جبهة أوكرانيا مفتوحة يعني أن الغرب سيبقى على حدود روسيا، ليستكشف الطرق حول كيفية التغلغل إلى داخل روسيا التي هي دولة اتحادية، وتوجد فيها خمس جمهوريات إسلامية، وهي التي تقع في جبال القوقاز والأورال، والتي يسعى الغرب للوصول إليها، كما فعل مع البوسنة والهرسك التي كانت القشة التي قصمت ظهر يوغسلافيا، ودفعت بها إلى التقسيم إلى نحو ست دول، ذات عرقيات مختلفة.

 وتدرك القيادة الروسية حقيقة المخططات الغربية، وقد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «إن الغرب يسعى إلى تفكيك روسيا»، وفي الوقت نفسه صرح بأن «روسيا تسعى لتفادي صراع مع الغرب بسبب الأزمة مع أوكرانيا». لكن تفادي الصراع لا يكون عبر بقاء الجبهة الأوكرانية مفتوحة، بل في تحقيق تسوية لهذا الملف عبر انكفاء الغرب بشكل كامل عن أوكرانيا، وتركها تعيش كأية دولة غير منحازة في العالم. 

 وكانت روسيا قدمت مقترحات إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مفادها أن «على حلف شمال الأطلسي عدم قبول أعضاء جدد في التحالف العسكري، وعدم إنشاء قواعد عسكرية في دول الاتحاد السوفييتي السابق، خاصة تلك القريبة من الحدود الروسية». لكن هل سيستجيب الغرب لهذه المقترحات؟ بالقطع لن يستجيب، لأنه لا يريد إيقاف الصراع مع روسيا، فالحرب الصامتة ضدها، هي مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الغرب الذي يختنق في أزماته بسبب صعود الصين وتحالفها مع روسيا، وعندما ينجح الغرب في تحجيم روسيا، فعند ذلك فقط، سيعلن الانتصار على الصين، لكن يغيب عن دول الحلف، خاصة الأوروبية، أن لها مصالح اقتصادية مع روسيا قد تتوقف في حالة نشوب صراع بين الطرفين، خاصة أن معظم دول أوروبا تعتمد اعتماداً كلياً على الغاز الروسي من ناحية، كما أن روسيا من أكبر الدول المنتجة للنفط، ومن ثم فإن توقف روسيا عن الإنتاج من شأنه أن يصيب المصانع والشركات الأوروبية بالشلل التام، ومن شأنه كذلك أن يشعل الأسواق، وهي أمور ينبغي أن تفكر فيها دول أوروبا قبل العبث مع روسيا، لأنها ستكون أول من يدفع الثمن غالياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"