ليست ظاهرة يابانية فقط

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

«هيكيكوموري»، مفردة يابانية تعني الانطواء على النفس والانسحاب من المجتمع، وهي ظاهرة تقرّ بها الجهات الحكومية المعنية؛ حيث إن عدد من يعانون منها قد يصل إلى نحو عشرة ملايين شخص، ويقول أطباء يابانيون إن متوسط أعمار من يعانون من هذا الميل هو 31 عاماً، حيث تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً، حيث يرفض هؤلاء التفاعل مع المجتمع، ويلوذون بالعزلة في منازلهم لفترات زمنية طويلة تستغرق أشهراً.
اللافت أن السبب في ذلك لا يعود إلى أسباب اقتصادية أو معيشية، مع أن بعضهم قد يجدون أنفسهم في موقف صعب بسبب عدم وجود وظائف منتظمة أو الإجبار على ترك العمل، لكن أغلبية المصابين بأعراض هذه الظاهرة هم من عائلات مقتدرة وجيدة الدخل، كما أن نسبة ليست قليلة منهم قادرون على إعانة أنفسهم منفردين، دون حاجة لعون من أحد.
ومع أن بعض دارسي الظاهرة يعزون الأمر إلى خوف هؤلاء الأشخاص من السلوك الإجرامي، مثل عمليات اختطاف أو طعن أو أي سلوك مشابه ينتشر في المجتمع، إلا أن خبراء آخرين أكثر صدقية يرون أن الرابط بين هذه الأمور والانعزال ضئيل، كما يرفضون أن يكون السبب في ذلك مرضاً عقلياً، لكنهم لا ينفون، في الوقت ذاته، حقيقة أن شعور المصابين بالانطواء على النفس بأنهم لا يفيدون المجتمع أو أسرهم، يخلق عندهم إحساساً بأنه لا قيمة لهم.
وينقل عن مختص نفسي ياباني قوله، إنه «عندما يسمع الهيكيكوموري حديث الحكومة حول ما يطلق عليه «المشاركة الديناميكية لجميع المواطنين يفكرون في أن عدم قدرتهم على المشاركة يجعلهم بلا قيمة، ويصبحون في وضع نفسي صعب».
ربما يكون لمجتمع مدمنٍ على العمل، مثل المجتمع الياباني، على حساب شيء من الترفيه والترويح عن النفس، خصوصيته التي تؤدي إلى تنامي هذه الظاهرة، بحيث أصبحت مؤرقة للجهات المختصة في هذا البلد، لكن لا يمكن القول إن هذه الظاهرة محض يابانية، فالمجتمعات الأخرى، على اختلاف ثقافاتها، تعاني منها بنسب مختلفة، ولاحظ المهتمون أن ما فرضته جائحة «كورونا» من أجواء الحجر والعزلة على قطاعات ليست قليلة من الناس أدى إلى ظهور أعراض مشابهة ل«هيكيكوموري» اليابانية.
وعلى سبيل المثال ينقل عن أخصائية نفسية فرنسية قولها، إنه حتى في فرنسا، يتزايد عدد العائلات والشباب الذين يصنفون ضمن هذا التعريف، وإن كان الأمر يتخفى خلف مسميات أخرى، مثل المتسربين من المدارس على سبيل المثال، وعلى مستوى العالم تزداد حال انعدام الأفق، أو ما تصفه المرأة ب«انعدام الأمن الوجودي بشكل حاد»، ما يفاقم من الأمر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"