عادي
أسعار السلع الأساسية تسجل أول تراجع في شهرين

مستوى قياسي جديد لمؤشر المعادن الصناعية العالمي

23:17 مساء
قراءة 7 دقائق
دبي: «الخليج»

تباينت تداولات السلع بين التراجع وتحقيق المكاسب بعد ارتفاع مستويات التضخم في الولايات المتحدة إلى 7.5%، في أسرع ارتفاع سنوي يُسجّل على مدى العقود الأربعة الماضية. وكانت الاستجابة المضطربة للارتفاع في مستوى التضخم، والتي أدت إلى زيادة حادة في عائدات سندات الخزينة وتعزيز حالة عدم اليقين في أسواق الأسهم، مدفوعة بالمخاوف من تأثير الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة سلباً في النمو الاقتصادي بصورة أكبر ممّا كان متوقعاً.

وتبقى التوقعات بشأن الظروف الصعبة التي قد ترفع الأسعار في جميع القطاعات الشاغل الرئيسي لسوق السلع الأساسية في المرحلة الراهنة، بدءاً من النفط الخام والوقود والألمنيوم والنحاس، وصولاً إلى المحاصيل الرئيسية والقهوة.

وسجّل مؤشر «بلومبيرج» لعقود السلع الأساسية الفورية أول خسائره الأسبوعية منذ شهرين، والتي كانت محدودة للغاية، بسبب الضعف الذي يشهده قطاع الطاقة بشكل عام، بداية بتراجع الطلب على الغاز الطبيعي نتيجة لاعتدال الطقس، وأول انخفاض أسبوعي في إنتاج النفط الخام منذ ديسمبر، نتيجة لاحتمالات إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

من جانبه وصل مؤشر المعادن الصناعية في بورصة لندن للمعادن إلى مستوى قياسي جديد من حيث شُحّ الإمدادات، وعلى رأسها الألمنيوم والنحاس، قبل أن يتراجع في نهاية الأسبوع نتيجة لما صدر من بيانات مؤشر الأسعار الاستهلاكية الأمريكي وآثاره السلبية المحتملة على النمو مع اعتماد سلسلة من الزيادات في أسعار الفائدة على مدى الأشهر المقبلة.

وبحسب أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك، فقد ارتفعت المعادن الصناعية وعلى رأسها الألمنيوم والنحاس، والحبوب وعلى رأسها فول الصويا بشكل ملحوظ، قبل أن تتعثر لاحقاً جراء النتائج المفاجئة لتقرير التضخم الأمريكي، والتي من شأنها أن تُلقي بظلالها السلبية على توقعات الطلب. من ناحيته، وصل الألمنيوم، أكثر المعادن استهلاكاً للطاقة أثناء الإنتاج، إلى أعلى مستوياته على مدى 13 عاماً مواجهاً انخفاضاً في جانب العرض؛ الأمر الذي قوبل في الصين بمجموعة من التسهيلات النقدية والتعهدات بالإنفاق على البنية التحتية التي أدت إلى دعم الطلب، بينما حاول النحاس الذي جرى تداوله ضمن نطاقات متقاربة على مدى الأشهر العشرة الماضية، الصعود من جديد قبل أن يتراجع بمجرد صدور نتائج تقرير مؤشر الأسعار الاستهلاكية.

وتحسّن أداء فول الصويا والذرة أيضاً دون الوصول إلى أعلى المستويات المعتادة، لا سيما أن المخاوف المتعلقة بالطقس في أمريكا الجنوبية تُواصل تعزيز التوقعات بشأن شُحّ الإمدادات. وكان الفرق بين قيمة فول الصويا والذرة قد وصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 2014، علماً بأن هذه التطورات قد تدفع المزارعين لتفضيل زراعة فول الصويا بدلاً من الذرة، لا سيما مع قرب انطلاق موسم الزراعة في الولايات المتحدة، ما قد يُشكل نوعاً من الدعم غير المقصود لأسعار الذرة، نظراً لمخاطر انحسار المساحات الزراعية المتاحة وبالتالي انخفاض الإنتاج خلال الموسم المقبل. وأسهمت المخاوف المتعلقة بالطقس في البرازيل في تسجيل ارتفاع جديد في أسعار بُن أرابيكا، مع وصول أسعار العقود الآجلة في نيويورك إلى مستوى جديد هو الأعلى منذ 11 عاماً، علماً بأن هذا التوجه جاء استجابة للانخفاض المتواصل في المخزونات الخاضعة لمراقبة إنتركونتيننتال إكستشينج الأمريكية إلى 1.03 مليون كيس، في أدنى مستوى يسجل منذ 22 عاماً.

وقال هانسن: كما ذكرنا سابقاً، فقد ارتفع مؤشر الأسعار الاستهلاكية الأمريكي عن شهر يناير إلى أعلى مستوياته منذ أربعة عقود، في أرقام أثرت في توقعات الاحتياطي الفيدرالي في الاجتماعات المقبلة باتجاه تصاعدي بشكل واضح. وترافق ذلك مع تواصل معدلات الإقبال على المخاطر، لا سيما أن الاحتياطي الفيدرالي أصبح مضطراً للتعامل مع هذا التطور وإثبات مصداقيته. وفي ضوء توقع الأسواق لزيادة أسعار الفائدة في سبع مناسبات مختلفة على مدى الأشهر ال 12 المقبلة، تُشير آخر البيانات الصادرة عن التضخم إلى أن الاحتياطي الفيدرالي تأخر بالفعل في محاولة ضبط التضخم وبات لزاماً عليه التحرك عاجلاً للحد من الآثار السلبية التي ما زالت تتكشف وإظهار بعض المصداقية. ويرى البعض أن الاحتياطي الفيدرالي قد يكون مضطراً لاتخاذ إجراءاته قُبيل انعقاد اجتماع اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة المرتقب في 16 مارس المقبل، لتكون أول خطوة من نوعها تُتخذ في ما بين اجتماعين بهدف تشديد السياسات.

وفي ضوء محدودية العرض في العديد من السلع الأساسية، لا تزال احتمالات ارتفاع الأسعار قائمة، علماً بأن تسطّح منحنى العائدات في الولايات المتحدة بات بمثابة إشارة تحذيرية من أن الاقتصاد الأمريكي وغيره من الاقتصادات التي شهدت مرحلة من النمو بعد الأزمة الصحية العالمية، أصبحت مهددة بحدوث تباطؤ اقتصادي بمجرد تشديد البنوك المركزية لسياساتها.

استمرار الطلب على الذهب

مع المضي قدماً في هذه المرحلة الملأى بالغموض، نتوقع استمرار الطلب على الذهب الذي نجح على الرغم من تواصل عمليات التصفية في سندات الخزينة الأمريكية، في التمسك بمكاسبه للأسبوع الثاني على التوالي. ونجحت عائدات السندات المستحقة بعد عشرة أعوام خلال الأسبوع الماضي في تجاوز حاجز 2%، مع ارتفاع العائدات الحقيقية إلى مستوى قياسي جديد خلال هذه المرحلة عند 0.43%-، في زيادة بواقع 0.7% تقريباً منذ بداية العام. ومع ذلك، يشير تسطّح منحنى العائدات إلى أن المستثمرين يتوقعون تباطؤ النمو مع بدء الدورة المقبلة من زيادة أسعار الفائدة.

وسلطنا الضوء في آخر تحديثاتنا حول الذهب على قدرة المعدن الثمين على تحدّي الظروف التي تمر بها الأسواق من ارتفاع في عائدات سندات الخزينة الأمريكية، وأن أيّ تراجع لما دون حاجز 1800 دولار للأونصة، يبقى قصير الأجل. ويتحرك هذا الدعم مدفوعاً بمزايا الذهب كأداة للتحوط من التضخم وأصل وقائي خلال التقلب الكبير في أسواق الأسهم والسندات، لا سيما عندما تُحاول الأسواق التكيّف مع ظروف زيادة أسعار الفائدة.

وفي الوقت ذاته، نعتقد أن معدلات التضخم ستبقى مرتفعة، علماً بأن عناصر قليلة، مثل تكاليف المدخلات والأجور والإيجارات المرتفعة، قد لا تنخفض جراء رفع أسعار الفائدة. ومن هذا المنطلق، تتعزز الآراء التي ترى في الذهب أداة للتحوط ضد الاتجاهات المتفائلة التي تسود الأسواق في الوقت الحالي بخصوص نجاح البنوك المركزية في خفض معدلات التضخم.

وفي حين أبدى مديرو الأصول اهتمامهم مجدداً بتجميع المراكز الحيازية الشرائية في الصناديق المتداولة في البورصة والمدعومة بالسبائك، لم تحفز حركة السعر بعدُ أي اهتمام متزايد من مديري الأموال الذين يركزون على الزخم ويميلون إلى الشراء عند زيادة الأسعار والبيع عند انخفاضها. ويحتاج الذهب إلى تجاوز مستوى التصحيح لعام 2020 بما لا يقل عن 50%، وصولاً إلى مستوى التصحيح لعام 2021 عند 1876 دولاراً للأونصة، الذي كان في الوقت ذاته أعلى المستويات المسجلة في عام 2021. وعلى الجانب الآخر، قد يكون إخفاق الذهب في التمسك بقيمته فوق 1780، والأهم عند 1750 دولاراً للأونصة، مؤشراً لحدوث تصحيح أكبر.

النفط يحتاج لضخ كميات إضافية

من ناحيته، كان النفط الخام في طريقه لتسجيل أول هبوط أسبوعي له منذ ثمانية أسابيع، مع توجه التركيز إلى آفاق التوصل إلى اتفاق مع إيران لتمهيد الطريق نحو مزيد من الإنتاج والتصدير.

وتجدر الإشارة إلى أن الأسواق تحتاج بشدة، لضخ كمية إضافية من البراميل، بحسب ما جاء في تقرير سوق النفط الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة، لا سيما في ضوء المعاناة «المزمنة» لمجموعة «أوبك بلس» لتنشيط الإنتاج. كما أخفقت الدول ال23 في مجموعة «أوبك بلس» في تحقيق مستويات الإنتاج المتفق عليها بما لا يقل عن 900 ألف برميل يومياً في يناير، بسبب ما يُعانيه القطاع من نقص في الاستثمارات واضطراب في السوق، وترى الوكالة الدولية للطاقة أن هذا الوضع سيزداد سوءاً، ما سيفاقم الضيق الحالي في الأسواق. وإلى جانب ذلك، أشارت الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الارتفاع الحاد في أسعار الغاز في أوروبا خلال الربع الأخير من العام الماضي كان قد أضاف ما بين 250 و300 ألف برميل يومياً إلى احتياجات القارة من النفط.

وحوّلت الأسواق اهتمامها نحو إيران بشكل متزايد، لا سيما في ضوء الجهود المتجددة لإحياء الاتفاق النووي، خصوصاً أن المملكة العربية السعودية، على اعتبارها واحدة من الدول القليلة المنتجة للنفط التي تمتلك كمية كبيرة من المخزونات الاحتياطية، لم تُظهر أي رغبة في زيادة الإمدادات.

ونوّهت الوكالة الدولية للطاقة بأن التوصل إلى الاتفاق قد يؤدي إلى إضافة 1.3 مليون برميل نفط يومياً إلى السوق، وهي كمية قد تسهم بشكل كبير في ضمان استقرار الأسواق قبل إقرار أي زيادة في الإنتاج خارج إطار الدول الأعضاء في منظمة «أوبك»، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لتسجل أسواق النفط العالمية مجدداً فائضاً في الإنتاج لما تبقى من العام. وأيدت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية هذا الاتجاه خلال تقريرها الأخير بشأن توقعات قطاع الطاقة على المدى القصير.

ويُستبعد أن يبلغ الطلب العالمي على النفط ذروته خلال وقت قريب، ما سيؤدي إلى زيادة الضغوط على المخزونات الاحتياطية المتاحة، والتي تنخفض بشكل شهري لتزيد من مخاطر ارتفاع الأسعار.

ويدعم هذا التوجه نظرتنا المتفائلة بارتفاع الأسعار في سوق النفط على المدى الطويل، لا سيما أنها ستكون على موعد مع انخفاض في الاستثمارات على مدى أعوام عديدة، تزامناً مع تحويل كبريات شركات النفط لنفقاتها الرأسمالية المخفضة أصلاً نحو إنتاج أنواع الطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية.

ويبدو خام برنت، الذي يمر بمنحى تصاعدي حاد قصير الأمد منذ بداية ديسمبر، أكثر حاجة إلى فترة من التماسك السعري، علماً بأن أي مخاوف جديدة بشأن النمو الاقتصادي مثل الاتفاق الإيراني، قد تدفع الأسعار للانخفاض نحو 83 أو حتى 80 دولاراً للبرميل بدون تغيير التوقعات المتفائلة على المدى البعيد. واستقر السعر في المرحلة الراهنة ضمن نطاق لا يتجاوز أربعة دولارات ما بين 90 و94 دولاراً للبرميل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"