إعادة بناء الموصل

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

لا بد للحياة أن تنتصر على ثقافة الموت، وللظلام أن يأفل بظهور النور، وأن يزاح الدمار بإعادة البناء والنهوض، فمنذ أن غزا تنظيم «داعش» الإرهابي ثلثي أرض العراق ثم اتخاذه من الموصل عاصمة لدولته البائدة، وهو لا يتوانى عن نشر وبائه الفكري على البشر والحجر والشجر، ووصل به الحال إلى تدمير المساجد والكنائس التي صمدت في وجه التاريخ، ثم أحرق المكتبات وحَجَرَ على العلم، لتخلو له الساحة في نشر بؤسه بين الناس. 

 لكن دوام الحال من المحال، فعندما تم كنسه وتطهير بلاد الرافدين من أدرانه باستثناء بعض الفلول الهائمة في الصحراء، أدرك العراق بأطيافه وقطاعاته ثم العالم أجمع، أن القضاء عليه لا يكون بتحريك الجنود والآليات والمقاتلات وبناء الأحلاف فقط، بل لا بد من نهضة شاملة، تعيد للبلاد ألقها وزهوها، أكثر من ذي قبل.

 «اليونيسكو»، أعلنت أخيراً وبعد ثلاث سنوات من الأعمال التحضيريّة المُكثّفة وبالشراكة مع دولة الإمارات أنها ستشرع في أعمال إعادة إعمار المئذنة الحدباء وكنيستي الساعة والطاهرة في شهر آذار/ مارس المقبل. وتعدّ المنارة من أشهر المعالم الأثرية في الموصل، والتي دُمّرت في 2017 بفعل متفجّرات وضعها الإرهابيون داخلها، وهذه الأعمال هي مقدمة لخطط أخرى ستخرج للنور لإعمار معظم المعالم في المدينة، كمسجد النوري، إضافة إلى 122 منزلاً تاريخياً في البلدة القديمة، حيث تعمد «داعش» في تفخيخ معظمها وإلحاق الأذى الفادح بها.

 وعلى الصعيد الثقافي، فإن المكتبة المركزية لجامعة الموصل العريقة تستعد لاستقبال القراء مجدداً ورفدهم بمختلف الكتب، بعدما تعرضت لحرق ودمار خلال معارك طرد التنظيم الإرهابي من المدينة. فأفعال «داعش» ذكّرت بالتتار الذين ألقوا بمكتبة بغداد في نهر دجلة، إلى جانب سفكهم للدماء آنذاك، بعدما ملأ الحقد قلوبهم لكل ما هو حضاري. فالتنظيم سار على خطاهم بحظر الكتب، فإبان سيطرته على المدينة الواقعة في شمالي العراق منع السكان من قراءة المؤلفات التي تتعارض مع أفكاره المتطرفة، كما أضرم النار بآلاف الكتب في القانون والأدب والعلوم والفلسفة، فيما بيع الثمين والنادر منها في السوق السوداء، إلى جانب إيغاله بالدماء.

 هذه الخطوات الترميمية على الصعيدين المعماري والثقافي، هي حلقات من سلسلة طويلة لا بد من المضي بها. فإلى جانب إعادة تأهيل المكتبات والمعالم الحضارية، لا بد من بناء على الصعد كافة، اقتصادياً وطبياً وسياسياً عبر إيجاد مناخ ينتج عنه قيادة تحقق للناس احتياجاتها، كي لا ينحرف البعض إلى جانب التنظيمات المتطرفة، لأنه في مجتمعات الفساد السياسي والمالي، يزيد السخط، وهذا من شأنه أن يجعل الغاضبين فريسة سهلة للإرهاب، الذي لا يترك فرصة لاستقطابهم إلى صفوفه.

 العراق أمامه الكثير ليعود كما كان قبلة العلم والثقافة والحضارة، ولا بد من سياسات حكومية قويمة لإعادة البلاد على جادة الطريق، من خلال ملاحقة الفساد وتوحيد العراق ومنع التدخلات فيه، والتركيز على اجتثاث البؤر الإرهابية التي ما زالت تنشر الموت في كل مكان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"