أوكرانيا.. الأمن للجميع

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

حتى الآن، أخفقت كل المحاولات الرامية إلى نزع فتيل الأزمة في أوكرانيا، التي تحولت إلى رهينة لمطالب أمنية تنشدها روسيا من الغرب وحلف «الناتو»، لتتعالى بدلاً من ذلك أصوات قرع طبول الحرب التي يصعب التكهن بنتائجها، وسط تساؤلات مشروعة عمّا إذا كان لا يزال بالإمكان التوصل إلى تسوية، تحترم سيادة كل الدول، وتحقق الأمن للجميع.

 جوهر الأزمة الناشبة بين روسيا والغرب حول أوكرانيا، يتمثل في معضلة أمنية مفتوحة على أهداف استراتيجية أبعد مدى تتصل بالنظام العالمي الجديد الذي بدأ يتشكل ما قبل الأزمة الأوكرانية، لكن الصراع حول إخراجه إلى الفضاء العالمي، يحتدم الآن متخذاً من أوكرانيا منطلقاً لتقرير شكله النهائي. وتعود جذور الأزمة إلى ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة، واندثار حلف «وارسو»؛ حيث تقدم حلف «الناتو» لملء الفراغ، مستفيداً من انهيار التوازن الاستراتيجي العالمي، وضعف روسيا الاتحادية آنذاك، للهيمنة على معظم دول أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي، وضم الكثير منها إلى عضوية «الناتو».

 استفاقت روسيا لتجد أن فضاء نفوذها السابق في أوروبا الشرقية، قد تحول إلى مناطق نفوذ «أطلسية»، واضطرت لقبول هذا الواقع على مضض، لكن هذا الواقع تغير تماماً بعد وصول فلاديمير بوتين إلى الكرملين في حقبتيه الأولى والثانية؛ حيث أعاد بناء المؤسسة العسكرية، وفتح المجال أمام التطوير والتحديث والابتكار، حتى تعاظمت هذه المؤسسة، وأصبحت أقوى بكثير مما كانت عليه في عهد الاتحاد السوفييتي؛ إذ بدأت روسيا تتحدث عن عالم متعدد الأقطاب، وتذكر في المحافل الدولية بأن الأمن يجب أن يكون للجميع، لكن الغرب لم يأخذ هذه المواقف على محمل الجد. 

 كان التدخل الروسي الأول في جورجيا عام 2008، ودعم انفصالي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، والاعتراف بهما كجمهوريتين مستقلتين بداية المحاولات الروسية، للرد على توسع «الناتو»، ثم كانت المحاولة الثانية بدعم الانفصاليين في منطقة الدونباس شرق أوكرانيا التي تضم مقاطعتي دونتسيك ولوغانتسك عام 2014، واقتطاع منطقة القرم في الجنوب، وضمها إلى روسيا والتي لا تزال تداعياتها مستمرة؛ حيث تطالب كييف باستعادة السيطرة على أراضيها.

 وحقيقة الأمر أن تسوية الأزمة الأوكرانية ليست مستحيلة، إذا ما تم تلبية الضمانات الأمنية الروسية، وعدم ضم أوكرانيا لحلف «الناتو»، وفك ارتباطها بالأمن الأوروبي، وهو ما بات يشكل «خطاً أحمر» بالنسبة لروسيا التي بات من الواضح أنها لن تقبل بوجود جنود «الناتو» على حدودها الجنوبية، مثلما أن كل التحذيرات والتهديدات بالعقوبات مهما كان نوعها، لن تجدي نفعاً عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي للدول، وبالتالي فإن نزع فتيل التوتر ومنع نشوب الحرب، بات يعتمد على توفر مبدأين أساسيين، التوصل إلى تفاهم وضمانات أمنية متبادلة بين روسيا والغرب على قاعدة الأمن للجميع، مقترناً باحترام سيادة الدول، وربما يكون الأهم هو التوصل إلى تفاهم حول النظام العالمي الجديد، على قاعدة الشراكة ضمن عالم متعدد الأقطاب، والإقرار بالمصالح المتبادلة لكل الأطراف، وإنهاء الصراع حول قيادة الساحة الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"