المقاربة الأمنية للشرق الأوسط

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

في الثالث من فبراير/ شباط الجاري، قامت القوات الأمريكية بعملية إنزال، استهدفت زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، في إحدى المدن الصغيرة على الحدود السورية- التركية، وتبدو العملية للوهلة الأولى ردّاً واضحاً ومباشراً على خلفية أحداث سجن الصناعة في محافظة الحسكة، وهذا الردّ السريع والقوي، يطرح عدداً من الأسئلة المباشرة وغير المباشرة، بما يتعلق بطبيعة المقاربات الدولية والإقليمية الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط، وهذه المقاربات هي بطبيعة الحال جزء لا يتجزأ من المقاربات السياسية الاستراتيجية، حيث يشتبك اللاعبون مع بعضهم بعضاً في رقعة شطرنج واحدة، تفرض عليهم- إلى حدّ بعيد - انتهاج مقاربات متشابهة في الكثير من أوجُهها.

 ما يحدّد طبيعة المقاربة الأمنية للقوى الإقليمية والدولية، ليس بنك الأهداف لكل واحدة من هذه القوى فقط، بل بالأساس فلسفة وإمكانات كل واحدة منها على حدة، خصوصاً أن بعض القوى المنخرطة في الصراع هي قوى عالمية، من مثل الولايات المتحدة وروسيا، حيث تمتلك هاتان القوتان تاريخاً طويلاً من التدخّلات المباشرة وغير المباشرة، ولدى كل منهما مراجعات دورية لأساليب التدخل، وإعادة ربط الأساليب بالأهداف والأدوات، إضافة إلى طبيعة الممكنات المحلية التي تختلف من مكان إلى آخر، خصوصاً إذا كان الصراع ممتدّاً على مساحة واسعة، كما هو حاصل في الشرق الأوسط، حيث تمتلك ساحات الصراع مشتركات عدة لا يمكن تجاهلها، لكنها في الوقت ذاته، تمتلك الكثير من التباينات.

  في شمال شرق سوريا، اعتمدت المقاربة الأمنية الأمريكية على دعم قوات محلية، متمثلة في قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، وقد ساعدت واشنطن في تصميم بنية قتالية ل«قسد» متشابهة إلى حدّ كبير مع وحدات الجيش الأمريكي، ذات الطابع القتالي بالأسلحة المتوسطة والخفيفة، مع إبقاء السيطرة على الأسلحة الثقيلة وسلاح الجو بيد القادة الأمريكان، إضافة إلى المشاركة الاستخباراتية متعددة الجهات، بحيث يكون بالإمكان اتخاذ قرارات حاسمة عند الضرورة، وهو ما تؤكده عملية الإنزال التي استهدفت الرجل الأول في تنظيم «داعش» الإرهابي، بينما كانت المواجهة مع متمردي التنظيم في سجن الصناعة من اختصاص قوات «قسد»، مع إسناد ودعم أمريكي، لكن من دون انخراط مباشر في القتال.

 أما المقاربة الروسية الأمنية، سواء في ليبيا أو سوريا، فإنها تعمل على مستويين، الأول هو مستوى رسمي، حيث تفضّل موسكو دعم جهات حكومية، لسدّ الثغرات الرئيسية في قوات حلفائها على الأرض، وهو ما يتمثل في الدعم الجوي خلال العمليات القتالية، أما المستوى الثاني، فهو يقوم على إعادة دمج بعض القوات المحلية مع بعضها بعضاً، كما حصل في الجنوب السوري، وإبقاء القرارات الرئيسية لهذه القوات تحت سيطرتها المباشرة، مع إعطاء هامش بسيط للقيادات الرئيسية، لمراعاة بعض المعطيات الاجتماعية، بهدف تخفيف حدّة الصراع، وضبط إيقاعاته، من أجل إعادة استثماره في إطار الرؤية السياسية الاستراتيجية.

 القاسم المشترك في المقاربتين الأمنيتين، الأمريكية والروسية، هو خفض تكاليف الانخراط إلى الحدود الدنيا، وعدم تكبّد القوات النظامية للدولتين خسائر فادحة في الأرواح، في الوقت الذي تمتلك فيه الدولتان قنوات رسمية سياسية وعسكرية مع دول الجوار المنخرطة في الصراع، من أجل عدم خروج الصراع من كونه صراعاً على توسيع مساحة النفوذ إلى كونه صراعاً مباشراً بين دول تمتلك فيما بينها مصالح استراتيجية كبيرة، فأمريكا وروسيا لهما علاقات تنسيقية مباشرة مع تركيا وإسرائيل، إضافة إلى مصالح استراتيجية تتجاوز في أهميتها ساحة الصراع نفسها.

 جميع القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في صراعات الشرق الأوسط، أي أمريكا وروسيا وتركيا وإيران، أصبح لديها شركاء محليون، بعد أن تحوّلت الدول المُتصارع عليها إلى دول فاشلة بالمقاييس الدولية، حيث تعاني هذه الدول نقص القدرة على بسط سيادتها على حدودها، أو احتكار السلاح من قبل الدولة، إضافة إلى نشوء صراعات أهلية، إثنية أو طائفية، وعدم قدرة الأطراف المحلية على الوصول إلى تسويات سياسية مستدامة.

 وفي جذر المقاربات الأمنية الخارجية للشرق الأوسط، هناك اعتقاد مفاده أن خارطة الدول فيه سائرة نحو تحوّلات جذرية، ستحتاج إلى بعض الوقت حتى تتبلور، وبالتالي، فإن المقاربة الأمنية هي الأنسب من منظور استراتيجي، ليس من أجل ضبط الفوضى، بل من أجل تحديد مسارها، وتركها تعمل في المكان الذي تحقّق فيه فوائد طويلة المدى، وهو ما يفسر عدم وجود رغبة جدية لدى جميع الأطراف الخارجيين على دعم مسارات فاعلة للحلول السياسية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"