العراق والمأزق الدستوري

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

كان استبعاد هوشيار زيباري مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني من السباق الرئاسي في العراق، والانقسام الكردي حول أحقية الترشح للمنصب، وما تسبب به ذلك من تعطيل استحقاقات دستورية كبرى، بمثابة الشرارة التي دفعت أعلى سلطة قضائية في البلاد لمطالبة مجلس النواب بإجراء تعديلات دستورية سبيلاً للخروج من الأزمة.

 غير أن استبعاد زيباري من الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية على خلفية فساد مالي عندما كان وزيراً للمالية بين عامي 2014 و2016، حيث أقاله البرلمان آنذاك، لم يكن السبب للمأزق الدستوري، فالدستور الذي كتبه «المنتصرون» بطريقة مبهمة وقابلة للتأويل في عام 2005 بعد سقوط نظام صدام حسين بما يتلاءم مع مصالحهم، على حساب مكونات أخرى أصبحت ضعيفة ومهمشة آنذاك، وجرت العملية السياسية على أساسه، وفي ضوئه تم تقاسم المناصب والمواقع الحكومية وأساليب توزيعها؛ تارة على المكونات، وتارة أخرى طبقاً للاستحقاق الانتخابي، تحوّل مع مرور الزمن إلى عبء على القوى «المنتصرة» والمهمشة، على حد سواء، وبات الجميع يرغب في تعديله، أو على الأقل، إعادة صياغة المواد المبهمة والغامضة بطريقة واضحة لا لبس فيها بالتوافق بين جميع المكونات العراقية.

 ومن دون الخوض في الكثير من التفاصيل كشرط موافقة ثلثي سكان ثلاث محافظات لتمرير الدستور في حينه من بين نحو 25 محافظة عراقية وغبر ذلك، نشير إلى ما نحن بصدده مباشرة، وهو ما يتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية الذي اصبح عرفاً وليس نصاً من نصيب المكون الكردي، وأيضاً بموضوع «الكتلة الأكبر» التي تختار مرشحها لمنصب رئيس الوزراء، وفي كلتا الحالتين هناك غموض واضح فيما إذا كانت «الكتلة الأكبر» تعود إلى الجهة السياسية التي تفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان مباشرة عبر الانتخابات أو أنها تعود إلى الجهة التي تتمكن من تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر عبر التحالفات وتقديم لائحة بها خلال الجلسة الأولى للبرلمان الجديد. 

 كما أن الاستحقاق الرئاسي يشوبه الغموض إذ إن المحكمة الاتحادية العليا، وخلافاً للمرات السابقة، اشترطت هذه المرة، أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية بعد أن يتوفر النصاب من ثلثي أعضاء البرلمان لعقد الجلسة، وبحصول الرئيس المنتخب على ثلثي الأصوات أيضاً، الأمر الذي انعكس على التحالفات الجارية بين القوى العراقية، وأدى إلى مقاطعة الكتل البرلمانية الأساسية، وبالتالي إخفاق البرلمان في انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري، أي خلال شهر من انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان. 

الأسوأ من ذلك، أن قرار البرلمان بإعادة فتح باب الترشح مجدداً للمنصب، جاء ليعمق الأزمة الدستورية ويطرح تساؤلات حول المحكمة الدستورية نفسها، خصوصا أن هناك 25 مرشحاً للمنصب استُوفيت شروط ترشيحهم، ما يعني أن المحكمة الدستورية  تستطيع تفسير مواد الدستور وفق ما تريد وأحياناً بما يتعارض مع الدستور نفسه. 

الآن يأتي ترشيح الحزب الديمقراطي الكردي لوزير داخلية إقليم كردستان ريبر البرزاني بديلاً لزيباري ليزيد من الحاجة إلى توافق عراقي حول إجراء تعديلات دستورية لا غنى عنها للخروج من الأزمة الراهنة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"