منى السعودي.. مــاء الحجـــر

00:00 صباحا
قراءة دقيقتين

تعرّفت إلى النحاتة والشاعرة منى السعودي في عام 1996 في عمّان في مطعم يقع على الدوّار الثالث في جبل عمان، أحد الجبال السبعة التي تقوم عليها العاصمة الأردنية، وكان لاسم المطعم وهو: «النيروز» وقع شعري على عدد من الشعراء والكتاب والصحفيين الأردنيين الذين عادة ما كانوا آنذاك يرتادون المكان في الظهيرة وحتى قبيل منتصف الليل.
في ذلك المكان الحميم، الذي تغيّر الآن، كانت منى السعودي بيننا في تسعينات الكتابة والرسم والحيوية الصحفية والشعر؛ وحيث عدد من الشعراء والأدباء العراقيين الذين أضافوا إلى عمّان التسعينات جماليات أدبية وحياتية وثقافية تتذكرها اليوم بالكثير من الحنين العميق.
كانت منى السعودي، تختار أصدقاءها بانتقائية أنيقة مثقفة، شأن شخصيتها الكاريزمية الجاذبة، وسوف أحظى بصداقتها حين كنت أعمل آنذاك في صحيفة الدستور الأردنية، وذات يوم دعتني ودعت محمود درويش وشاعراً عراقياً، وشخصية أردنية وازنة إلى الغداء في منزلها الحجري غربي العاصمة عمّان في حي من أرقى أحياء العاصمة، وفي تلك الظهيرة، أدركت في العمق كم كانت منى السعودي تحب الشعر وتحب فئة منتقاة أيضاً من الشعراء، وليس كلّهم، وأيضاً في تلك الظهيرة تأمّلت منزلها الحجري القريب في صورته المعمارية من منحوتة، وكانت أمام المنزل وفي ساحة برّية مفتوحة حجارة وأزاميل، وأدوات للنحت تشي وكأنها ساحة ورشة حجر، تقوم عليها امرأة تليّن قسوة المادة الجامدة، وتقطّر منها الماء.
قبل أن تبلغ الثامنة عشرة من عمرها وتغادر إلى بيروت، وكانت منى السعودي، قد نشأت وهي طفلة أو في ما بعد في أوّل الصبا في منطقة تسمى «سبيل الحوريات» في قلب العاصمة، و«سبيل» تعني مكاناً مجانياً للماء، وعلى أي حال، يعرف العمّانيون جيداً تلك المنطقة، وجوارها الحجري نرى، المدرّج الروماني، وتقول الموسوعة الحرة إن المدرّج الذي بني على شكل مسرح مفتوح أسفل أخد جبال عمّان، وجرى بناؤه إكراماً للإمبراطور انطونيوس بيوس الذي زار عمّان «اوعمّون» في 130 ميلادية، أما سبيل الحوريات، فهو أيضاً يعود إلى الفترة الرومانية القديمة، والحوريات في الميثولوجيا نساء الينابيع.
في هذا المكان الأسطوري أو الميثولوجي العمّاني، المكان الحجري أيضاً نشأت منى السعودي، وتشبّعت وهي طفلة بالماء الذي كانت تشتهر به عمّان في أربعينات وخمسينات وستينات القرن العشرين، وكذلك، تشبّعت كينونتها البصرية بالأفق الحجري العمّاني وأطياف معماريات منذ الرومان وحتى أن كانت طفلة.
من المؤكد أن لثنائية ماء حوريات الينابيع، وتدرّجات الحجر في المسرح الروماني الوسيع والمهيب بحضوره المكين تحت الجبل أثراً بالغ الحساسية على الطفلة منى السعودي التي كانتها آنذاك، وليس غريباً أن يؤدي ذلك الأثر الحجري والمائي إلى مرونة وأمومة طبيعتها النحتية الأكثر شهرة في العالم.
بالحساسية البصرية نفسها، أيضاً، كتبت منى السعودي، الشعر، وشعرياً عاشت، ونحتت، ورأت ما في الكوكب، وما في البئر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"