الكتب خادعة

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

هذا الوصف للكتب قال به الناقد والمؤرخ السعودي حسين محمد بافقيه. لا تكونوا على عجلة من أمركم في تكوين انطباع عما يثيره هذا الوصف في أذهانكم، فقائله قارئ نهم وعاشق للكتب، وله من الخبرة ما يكفي ليجعله يختار هذه العبارة بالذات، لا من باب هجاء الكتب أو التنفير منها، وإنما بالعكس من باب الحث على قراءتها، والإفادة مما تحتويه مضامينها من أفكار وأحكام ومعلومات، لكن لبلوغ هذه الغاية يحسن، لا بل ويجب، التمحيص قبل اختيار الكتاب الذي سنقتنيه برغبة قراءته، لا ليرص، بين كتب أخرى، على رف من الرفوف في منازلنا.
الآن علينا الذهاب للسؤال: لماذا الكتب خادعة برأي حسين بافقيه؟ لنقف على إجابته عنه، فهو يرى أن الأمر ينطوي على خدعة، لأن الكتب، أو بعضها، «تستهويك وتستغويك بعنواناتها المنحوتة بعناية فائقة، وأغلفتها الجميلة الموشاة»، لكن ما إن تقع عيناك على صفحاتها الأولى، وحتى أولى سطورها، حتى تصاب بالخيبة، وتدرك أنك وقعت في شرك، ويزيد من هذا «الخداع» أن الكثير من الناشرين ومؤلفي الكتب أنفسهم بارعون في تسويق كتبهم، بمهارة تاجر يروج لبضاعة من بضائعه.
بالنسبة لقارئ ضليع مثل بافقيه، فإن كشف الخداع من أول نظرة سهل حين يتعلق الأمر بالكتب التي تتخذ النقد أو البحث في الأدب والتاريخ الثقافي، فمرور سريع على مقدمة الكتاب المعني أو على فهرس محتوياته، وأيضاً ثبت المصادر والمراجع، كافٍ لأن يجعلك «تثق في الكتاب وتقتنيه، أو تجفوه فتدفعه عنك».
لكن المعضلة في الكتب الداخلة في الحيز الذي يصفه الكاتب ب«الأدب الخالص»، أي الشعر والرواية والقصة القصيرة، ومع أنه تحدث خاصة عن كتب من تأنس إليهم من شعراء وروائيين وقاصين، تعرف آثارهم من قبل، فتقبل على جديدهم مطمئناً إلى أنه سيكون قميناً بالقراءة، لكن للمسألة وجهاً آخر لم يقف عنده، فأمام رواية جديدة لكاتب لا تعرفه كفاية ستقع في حيرة من أمرك، فكون اسم المؤلف جديداً عليك، لا يعني ذلك، بالضرورة، أن عمله ضعيف، فما أكثر ما تتغلب كتب جديدة لمؤلفين شبان على كتب لكتّاب مخضرمين.
يمكن أن يحدث العكس تماماً، حين تنصرف بحماس لقراءة عمل جديد على أمل أن يحمل «جديداً» أو مختلفاً، فيحبطك هذا العمل منذ بدايته، خاصة حين تشعر أنه ليس هناك ما يشي بأن التالي فيه سيكون مختلفاً عن بدايته، ويزداد هذا مع فوضى النشر في مشهدنا الثقافي الراهن؛ حيث انحصرت وظيفة الكثير من الناشرين في طباعة كل ما يصلهم طالما كان المؤلف سيتحمل كلفة وأرباح الناشر، بصرف النظر عن المحتوى.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"