في الصفقة الخضراء الجديدة

21:45 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد 

تعد ندرة المياه، وارتفاع درجات الحرارة بصورة متواترة، خصوصاً في فصول الصيف، كلما تقدم الوقت، وارتفاع منسوب مياه البحر، ثلاثة تحديات رئيسية من جملة تحديات تواجهها بلداننا العربية، جراء التغيرات المناخية المطردة. حتى باتت تشكل أعظم تحديات أمننا القومي، إن لم نقل الوجودي. وقد بدأ بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، اتخاذ خطوات جدية وملموسة لتحوير هياكلهما الاقتصادية من خلال ما أسمتاه «الصفقة الخضراء الجديدة» (Green New Deal)، مستهدفتان، تحويل تحدي تغير المناخ لفرص تنموية طموحة، عبر تغيير سياساتهما القائمة، واتخاذ منحى تنموي استثنائي، سيوفر لهما مساحة من المرونة وزيادة قدراتهما بما يمكنهما من التكيف والتغلب على التحديات، فضلاً عن تحقيق نتائج أكثر استدامة وإنصافاً وازدهاراً. عالَم العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، اليوم، هو في حالة تحول اقتصادي نوعي نحو اقتصاد منخفض الكربون من خلال الاستثمار في الطاقات المتجددة، والسيارات الكهربائية، والنقل العام، وكفاءة استخدام الطاقة، واتخاذ تدابير تمكنه من التكيف والصمود أمام التغير المناخي، مثل بناء الدفاعات الساحلية ورفع مستوى المباني.

بهذا المعنى، نحسب أننا في منطقتنا العربية، بأمس الحاجة إلى إطلاق نسختنا من الصفقة الخضراء الجديدة، كما فعلت بعض الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ UNFCCC واتفاق باريس للمناخ. فكما هو معلوم، سوف يُعقد مؤتمر الأطراف القادم (COP27) في مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، خلال الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر القادم. كما أن مؤتمر الأطراف 28 (COP28) الذي يليه مباشرة، سوف يعقد في العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال الفترة من 6 إلى 17 نوفمبر 2023. ويرجّح أن مصر، الدولة المضيفة للمؤتمر القادم، بصفتها ممثلة للقارة الإفريقية، سوف تسعى لتسليط الأضواء على موضوع التكيف (Adaptation) والمرونة المناخية، كأولوية مناخية قصوى للعديد من الدول الإفريقية.

وتشمل المجالات التي يمكن أن تشملها الصفقة الخضراء العربية الجديدة، احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، واستخدام ثاني أكسيد الكربون المحتجز لحقنه في المكامن لاستخراج النفط أو لتصنيع منتجات مفيدة، وربما ذات قيمة مضافة أيضاً. إضافة إلى التقاطه من محطات الطاقة والصناعة. ذلك لأن الالتقاط المباشر لثاني أكسيد الكربون من الهواء ضروري لعكس العقود الماضية من الانبعاثات الزائدة. ويمكن أن يكون الهيدروجين ركيزة أخرى لاقتصاد طاقة المستقبل إلى جانب الكهرباء؛ حيث يتم استخدامه كمادة وسيطة كيميائية، وكوقود للسفن والطائرات، وكخزين للفوائض المؤقتة من الطاقة. ويمكن إنتاجه من الغاز الطبيعي مع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، ويمكن أيضاً أن يصبح كل من احتجاز الكربون وتخزينه والهيدروجين صناعات تركز على التصدير بصورة أكبر من قطاع النفط والغاز الحالي. ويمكن استخدام مصادر الطاقة المتجددة (خصوصاً الطاقة الشمسية الوفيرة) لتحلية المياه وتوليد الكهرباء. وقبل هذا وذاك، الاستثمار في برامج أبحاث تقنيات الطاقات المتجددة وسرعة إدخال تطبيقاتها في الإنتاج.

دول مجلس التعاون تحتاج إلى مثل هذه الحزمة وأكثر، لاسيما أنها رائدة عالمياً في مجال تحلية المياه. وهذه الحاجة الماسة إلى مياه الشرب ومياه الري، تضعها أمام تحدي التأمين المستدام والمتجدد لهذه المياه. في هذا المجال، أجرى معهد شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، أبحاثاً حول الزراعة، بما في ذلك إنتاج الوقود الحيوي، باستخدام المياه المالحة. كما يمكن تكييف التقنيات الحالية، مثل البطاريات والطاقة الشمسية، للعمل بشكل أكثر كفاءة في درجات الحرارة العالية. وقد تبشر برامج الإمارات للفضاء و«تصنيع» الأمطار عن طريق استمطار السحب، بآفاق واعدة لبلدان المنطقة في عصر الهندسة المناخية Climate engineering/geoengineering، ومنها تبريد الكوكب بجزيئات في الغلاف الجوي العلوي، أو بمرايا عاكسة في المدار.

دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، يمكن أن تكون مركزاً إقليمياً للطاقة الجديدة (الطاقة النووية)، والطاقة المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية. ويمكنها أن تقيم شراكات مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون في مجال نقل الكهرباء عبر الحدود، أو في مجال اصطياد وتخزين ثاني أكسيد الكربون (Carbon Capture and Storage - CCS)، ومشاريع أخرى اقتصادية انتقالية تصب في خانة مصفوفة مشاريع ومبادرات الصفقة الخضراء الجديدة. ولأننا نتحدث عن تحولات هيكلية اقتصادية نوعية، فإن التنفيذ سيقع ترتيباً بصورة أساسية على عاتق الحكومات، إنما باستدراج مشاركة طاقات القطاع الخاص، المحلي أولاً والأجنبي تالياً.

 ففي الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، تضطلع الشركات الحكومية المحلية العملاقة بالدور القيادي في صفقتهما الخضراء الجديدة، تماماً كما هو الحال في دولة الإمارات  في مشاريعها الخضراء العملاقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"