الاجتياح السياسي الروسي

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتراف بلاده باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من طرف واحد في أوكرانيا، وتوقيعه على مرسومين باعتراف روسيا بالجمهوريتين، ليس خطوة عادية، وإنما يمكن القول إنه يمثل نقلة نوعية كبرى في مسار الأزمة الأوكرانية الساخنة.
 فالاعتراف الروسي باستقلال هاتين الجمهوريتين، قد يرى فيه البعض خطوة لتدخل عسكري روسي ضد أوكرانيا؛ حيث إن هذا الاعتراف وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية يحمل مغزى كبيراً لأن الحدود التي يطالب بها قادة المنطقتين الانفصاليتين المدعومين من روسيا تمتد إلى ما وراء الأراضي التي يسيطرون عليها الآن، وتمتد إلى الفضاء الذي يسيطر عليه الجيش الأوكراني.
كما أن الاعتراف الروسي قد يسمح لقادة الجمهوريتين بطلب المساعدة العسكرية من روسيا، مما يسهل الطريق أمام هجوم عسكري روسي.
 ولعل هذا ما يفسر رد الفعل الغربي والأمريكي خاصة على هذه الخطوة الروسية؛ حيث سارع البيت الأبيض إلى الإعلان عن أن واشنطن ستفرض عقوبات على أي أفراد أو كيانات تتعامل مع المنطقتين الانفصاليتين في شرقي أوكرانيا، فيما شجب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، اعتراف الرئيس الروسي بمنطقتين انفصاليتين في شرقي أوكرانيا، قائلاً إن الخطوة تمثل «انتهاكاً لاتفاقيات وقعت موسكو عليها»، في إشارة إلى اتفاقيات مينسك التي تعد روسيا طرفاً فيها.
وكما هو معروف تم التوقيع على اتفاقية مينسك في فبراير/شباط من عام 2015 في قمة عقدها في العاصمة البيلاروسية زعماء دول «رباعية النورماندي» (روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا)، ووقعت عليها أيضاً مجموعة الاتصال الخاصة بتسوية النزاع في شرقي أوكرانيا (وهي تضم ممثلين عن حكومة أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في جنوب شرقي أوكرانيا.
 أما أبرز بنود هذه الاتفاقية فهي التنفيذ الصارم للوقف الفوري والشامل لإطلاق النار، وقيام كلا الجانبين بسحب جميع الأسلحة الثقيلة على مسافات متساوية من بعضهم البعض من أجل إنشاء منطقة آمنة بعرض 50 كم على الأقل، فيما كلفت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بتسهيل هذه العملية وآلية التنفيذ.
 وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية أوقفت الصراع المسلح في حينه ولو بشكل كبير، فإن بذور الأزمة الروسية الغربية ظلت قائمة من خلال إصرار الغرب المتمثل في حلف شمال الأطلسي على التمدد شرقاً باتجاه الحدود الروسية، وهو أمر أكدت موسكو مراراً أنه يمثل خطاً أحمر بالنسبة للأمن القومي الروسي، كما أن هناك بواعث تاريخية لا تقل أهمية في نظر روسياً، وقد بدت هذه البواعث بوضوح في الكلمة التي ألقاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي أكد فيها أن أوكرانيا «جزء لا يتجزأ من تاريخ روسيا»، مؤكداً أن القرارات المتخذة هي من أجل حفظ الأمن الروسي.
 وشكك الرئيس الروسي في تمتع أوكرانيا بمقومات الدولة وأنها دولة أقامتها روسيا إبان حكم الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين، مضيفاً أن تماثيل لينين تم تدميرها هناك كعلامة على «تفكك الشيوعية». وفيما يبدو أنه رغبة من بوتين في إعادة التذكير بالتاريخ قال: نحن مستعدون لنكشف لأوكرانيا المعنى الحقيقي لتفكك الشيوعية، مضيفاً أن أوكرانيا لم تكن لديها أبداً «دولة حقيقية» وإنما قامت باستنساخ نماذج لإنشاء دولة قومية، مؤكداً في الوقت ذاته أن القوميين والمتشددين الذين زجوا بالبلاد إلى طريق مسدود هم من يطلقون النار الآن ويخضعون لسيطرة الغرب.
 وبغض النظر عن تفسيرات الغرب للخطوة الروسية الجديدة إلا أن الكثير من المراقبين يرون أن الرئيس الروسي الذي استطاع أن يرمم ولو إلى حد ما الخراب الكبير الذي تركه انهيار الاتحاد السوفييتي على روسيا، وإعادة الهيبة لها على الساحة الدولية، يحلم بإعادة مجد الحقبة السوفييتية، أو على الأقل تذكير القوى العالمية الكبرى بأن روسيا في بداية التسعينات من القرن الماضي عند انهيار الاتحاد السوفييتي، ليست هي روسيا اليوم، وأن أي حديث عن الأمن العالمي يجب أن يأخذ بالحسبان المصالح الروسية المشروعة، ولذلك يمكن القول إن الخطوة الروسية الجديدة تمثل ما يشبه الاجتياح السياسي، فهل يتفهم الغرب الدرس الروسي أم أنه سيدفع بالأمور نحو الهاوية أكثر؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"