شراسة وجشع

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

المنافذ التي كانت تعبر من خلالها الإعلانات إلى المستهلك كانت محدودة ومعروفة، أولها التلفزيون تليه المجلات والصحف ثم المنشورات واللوحات في الشوارع، وكان من الممكن جداً ألا تصل إلى كل الناس، خصوصاً من يعيشون في القرى والأرياف أو المناطق البعيدة، ولا يجوز مقارنة أمس باليوم، لأن كفة الميزان لن تكون عادلة أبداً، فالآن أصبحنا نعيش وسط عالم يغرق بالإعلانات، تحيط بك من كل الاتجاهات وتطاردك حتى في لحظة خلوتك مع نفسك وهاتفك النقال، لا تستأذنك في التجسس عليك؛ إذ يكفي أن يخطر ببالك أن تسأل سؤالاً تستفسر فيه عن معلومة سواء بالتحدث مع جليس أو قريب، أو من خلال البحث عبر «جوجل»، لتنهال عليك كل الإعلانات والصفحات التي تروج لمنتج يرتبط بشكل أو بآخر بالمادة التي خطرت ببالك. 
قل إنك تنتظر مولوداً، وستجد نفسك غارقاً وسط صفحات تروج لكل مستلزمات الأطفال حتى الحليب (اللبن) والدواء!. تحولنا إلى بضاعة، أو مشروع استثمار رابح في عيون التجار الذين ينتهزون كل وسيلة إلكترونية للوصول إلينا، والبدء بحملات «غسل الدماغ» لإغراء المستهلك وإقناعه بمعلومات معظمها خاطئ وربما مؤذٍ، يضر به وبأهل بيته. 
كلنا نعاني شراسة الأسواق وجشع التجار الذي فاق كل حدود، ولم يعد للضمير أي طاقة يمكن أن يتسلل من خلالها إلى عقولهم فيهزها قليلاً. 
لسنا وحدنا كمستهلكين متضررين من هذا الاستغلال البشع، فمنظمة «يونيسيف» أيضاً أطلقت حملة عنونتها ب«إنهاء التسوق الاستغلالي»، تنبّه فيها الآباء والأمهات إلى خطورة المعلومات المضللة التي تنشرها شركات حليب الأطفال ومدى تأثيرها السلبي في صحة الأطفال خصوصاً حديثي الولادة والرضع. 
تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن أكثر من نصف الآباء والأمهات الحوامل، يتعرضون لحملات ترويجية من شركات الحليب الصناعي (والبالغة قيمتها 55 مليار دولار) وفق تقرير المنظمة، تغري هؤلاء بأهمية الحليب الصناعي مدعية أنه مهم جداً للأطفال في الأيام الأولى بعد الولادة، وأن حليب (لبن) الأم الطبيعي وحده لا يكفي ولا يغذي، بينما الحقيقة الطبية مختلفة تماماً، حيث تعتبر الرضاعة الطبيعية بمثابة اللقاح الأول للطفل، ولا بد منها في الساعات الأولى للولادة، ومن المهم جداً استمرارها بشكل كامل لمدة ستة أشهر واستكمالها حتى عامين، علماً بأن الرضاعة الطبيعية تنعكس إيجاباً على صحة الأم أيضاً؛ إذ «تقلل من خطر إصابتها بالسكري والسمنة وبعض أشكال السرطان في المستقبل».
إنه الإصرار على تدمير صحة الإنسان منذ اللحظة الأولى التي يصل فيها إلى الحياة، المال و«البيزنس» أولاً، ولتذهب الأجيال ومستقبلها والإنسانية إلى الجحيم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"