أزمة طويلة الأمد

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

أتاحت الموجة الأولى من الهجوم الروسي على أوكرانيا مجالاً ضئيلاً أمام الخبراء والقادة السياسيين، للتكهن بشأن الخطة الكاملة للرئيس فلاديمير بوتين. كما كشفت خطوة بوتين المفاجئة نوعاً من الارتباك بين الحلفاء الغربيين بشأن خيارات الرد على الاجتياح العسكري الروسي.

 لكن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وضع نقاطاً على حروف الوضع الغامض. ومباشرة بعد إعلان بوتين الاعتراف بالجمهوريتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، وصف جونسون التطورات المقبلة بأنها ستشكل «أزمة طويلة الأمد». وقال: إنه لا يمكن معرفة ما سيحدث في الأيام المقبلة، لكن «علينا الاستعداد لأزمة طويلة الأمد».

 وربما تكون هذه العبارة الموجزة قد حددت خريطة طريق لخيارات الحلفاء في الرد. وقد اتضح ذلك جلياً بعد بدء العملية العسكرية الروسية في موجتها الأولى. أصبح واضحاً أن الحلفاء قد استبعدوا الرد العسكري المنسق. لا مواجهة عسكرية. لا من الناتو ولا من الولايات المتحدة وحلفائها.

 فالخيار العسكري لن يكون خياراً عقلانياً في مواجهة دولة كبيرة مثل روسيا، وهو يصطدم هنا خصوصاً بالترسانة النووية؛ إذ لن توافق دولة إلى جر العالم إلى مواجهة نووية من أجل إنقاذ أوكرانيا. وقد ركزت التصريحات الغربية بمجملها على مسألة العقوبات الاقتصادية، لكن حتى خيار العقوبات قد يكون قليل الفاعلية بالنظر إلى مسألة النفط والغاز الروسي، وأيضاً الاحتياطات النقدية الروسية التي قدرها بوتين بأكثر من 600 مليار دولار.

 القوات الروسية اندفعت في توقيت متزامن، واجتاحت كراماتورسك التي تعد مقر قيادة الجيش الأوكراني في الشرق إضافة إلى مدن خاركيف واوديسا ولفيف ومرفأ ماريوبول. وسيطرت القوات المهاجمة على مطار عسكري على تخوم كييف ومفاعل تشيرنوبل النووي. وحققت القوات الروسية سيطرة جوية كاملة على مسارح العمليات، وتحدث قادتها عن صفر خسائر في المعارك مقابل 40 قتيلاً في صفوف القوات الأوكرانية.

 وبعد مفاجأة الموجة الأولى، تحدث الرئيس الأمريكي عن الدفاع عن حدود الناتو من دون إرسال قوات الى أوكرانيا، وأكد بأن عقوبات لا تشمل حظر روسيا من نظام سويفت المصرفي الدولي. كما استبعد قادة الناتو نشر قوات عسكرية في أرض المعركة. بينما شدد المستشار الألماني أولاف شولتس على ضمان عدم تمدد النزاع إلى الدول الحليفة المجاورة لأوكرانيا، واعتبر جنرال أمريكي أن العملية العسكرية تستهدف الاستعاضة عن الحكومة الأوكرانية بأخرى موالية لموسكو.

 وكلها تصريحات تتفق من دون قصد على أن ما يحدث هو أزمة طويلة الأمد، وليست حرباً شاملة. فاستبدال نظام حكم، يعني أزمة وليس حرباً شاملة. وسعى بوتين نفسه إلى تعزيز مفهوم الأزمة ذات الطابع السياسي وليس المواجهة العسكرية. وقال بعد إعلانه نجاح المرحلة الأولى من العملية العسكرية، إن بلاده لا تريد إلحاق الضرر بالنظام الاقتصادي العالمي ولا استبعادها منه. ووصف العملية العسكرية بأنها دفاعية لأن وجود بلاده كان على المحك. ولكن هل تنتهي الأمور عند هذا الحد؟. إن مدى التوقع يصبح ضئيلاً جداً في مثل هذه الحالات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"