العرب والنظام الدولي

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، تربعت الولايات المتحدة منفردة على عرش النظام الدولي، وكان نصيب العرب من هذا التفرد كارثياً بكل المقاييس السياسية والاجتماعية والبشرية، ودفعوا أثماناً باهظة جداً، ولا زالوا يدفعون حتى اللحظة، من أمنهم وسلامهم وحياتهم وسيادتهم وحقوقهم الإنسانية.

 إن تفجر الأزمة الأوكرانية بملابساتها المتعلقة بأمن القارة الأوروبية، وبأسبابها الخاصة بالصراع بين روسيا من جهة وحلف الأطلسي والدول الغربية من جهة ثانية، والدعم الصيني للموقف الروسي، هي بواكير محاولة قيام نظام دولي متعدد الأقطاب يأخذ أشكال صراعات متعددة؛ سياسية وعسكرية واقتصادية، وتشكل الأزمة الأوكرانية مدخلاً لبلورة شكل هذا النظام.

 قد تكون عملية التحول صعبة ومعقدة، وكلفتها باهظة، لأن التنازل عن قمة النظام الحالي ليس سهلاً، والقبول بالانكفاء ومشاركة الآخرين فيه يبدو  حتى الآن  غير متيسر، لأنه يعني التنازل عن مبادئ باتت راسخة في العقيدة الأمريكية، القائمة منذ ثلاثين عاماً؛ وهي أن الولايات المتحدة هي الأقوى والأقدر التي تستطيع التحكم بالتحولات الدولية وفقاً لمصالحها.

 كان نصيب العرب العاثر منذ عام 1991 أن تحولوا إلى مختبر جائر للنظام الدولي الجديد؛ حيث استهدفتهم «الفوضى الخلّاقة» بالاحتلال المباشر، كما حصل في العراق، وفي أجزاء من سوريا، وبالسعي لفرض الديمقراطية بالقوة بصرف النظر عن خصوصية كل بلد عربي، والعمل على دعم جماعات الإسلام السياسي، وتمكينها من السلطة في أكثر من بلد عربي، والأخطر من كل ذلك أنه تم إطلاق العنان للجماعات الإرهابية التي عاثت قتلاً وتدميراً واستباحة للإنسان والمقدسات تحت شعارات دينية مزيفة، ما أدى إلى تمكين هذه الجماعات من السيطرة على مساحات واسعة في سوريا والعراق، وتمددها إلى أكثر من بلد عربي؛ حيث لا زالت هذه الدول تعاني إرهاب هذه الجماعات.

 نحن في الحقيقة أمام مرحلة تحوّل قد تؤدي في نهاية الأمر إلى قيام نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، وقد تكون كلفته باهظة، لكنه في نهاية الأمر قد يشكل بالنسبة للعرب فرصة لإعادة حساباتهم في شكل علاقاتهم الدولية،والإستعداد لاقتناص الفرص المتاحة والأخطار المحتملة، وبأن تكون خياراتهم متعددة وقادرة على الأخذ في الحسبان لمصالحهم بعيداً عن ضغوط دولة واحدة.

 لقد جرّب العرب في أواخر خمسينات وستينات القرن الماضي أن شاركوا بفاعلية في حركة عدم الانحياز بعيداً عن الثنائية القطبية آنذاك الممثلة بالولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وتحاشي الانخراط بالحرب الباردة من خلال التمسك بمبادئ الحياد الإيجابي التي تقوم على احترام حقوق الإنسان، وسيادة جميع الدول ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها، وتسوية المنازعات بالطرق السلمية. لكن التطورات الدولية اللاحقة، وغياب رموز تلك الحركة، أوقعهم في حالة من الوهن والضعف، جرّاء حالة الاستقطاب الدولية.

 لا شك أن قيام نظام دولي متعدد الأقطاب قد يشكل أيضاً فرصة للعرب كي يخرجوا من حالة التبعية، ويتخلصوا من آثار «الفوضى الخلّاقة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"