الأزمة الليبية والكلام المعسول

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

لم تحظ ليبيا باهتمام سياسي وإعلامي دولي مثلما حظيت بهما خلال العقد الأخير، فليبيا القذافي كان وجودها هامشياً في الإعلام العالمي، الذي كان يركز اهتمامه على خيمة العقيد، وشطحاته السياسية، والألقاب التي كان يطلقها على نفسه. أما ساسة العالم فقد كانت تصريحاتهم تنصب حول ليبيا، في إطار التهديد والوعيد بالويل والثبور للدولة العربية التي لم تمثل أي تهديد للآخرين عبر تاريخها، وكانت كل أزمتها هي العقيد ونظرياته.

 وبعد أن انفرطت الدولة الليبية، وسادت الفوضى في ربوعها،  استحوذت على مساحة غير مسبوقة من الإعلام العالمي وأصبحت بنداً أساسياً في أجندات الزعماء وصناع السياسة العالمية.

 الجميع طالب بحل سياسي للأزمة الليبية، والجميع رفض العنف على أراضيها، والجميع طالب بخروج المرتزقة منها، ولكن القليل من هذا الجميع كان صادقاً في أمنياته بالحل السياسي والحرص على وحدة التراب الليبي، والقليل هو الذي أغضبه عدم إجراء الانتخابات في موعدها. 

 اهتمام الإعلام العالمي وتصريحات الساسة لم يكن سوى كلام أجوف، معسول، استهلاكي، بل إن بعضهم كان كلامه في اتجاه الحل وأفعاله في اتجاه بقاء الوضع على ما هو عليه، أو الذهاب إلى المواجهة وتكريس الانقسام والمناطقية للوصول إلى الفوضى المبتغاة. 

هددت الأمم المتحدة ومعها كبار الأرض بمعاقبة من يعرقل إجراء الانتخابات الليبية في ديسمبر، ومضت الأيام دون أن يعاقب أحد، ودون أن تتجرأ الأمم المتحدة ولا الدول الكبرى على توجيه أصابع الاتهام بالعرقلة لأي شخص أو طرف أو ميليشيا. 

 ولأن حكومة الوحدة عندما تم تكليف عبدالحميد الدبيبة بها حددت لها البعثة الأممية للدعم مهمة أساسية وهي إجراء الانتخابات في الموعد المتفق عليه، وبعده تُسلم الدولة للرئيس المنتخب، وبعد أن فشلت الحكومة في أداء مهمتها في الوقت المحدد.. هل كان يفترض رحيلها أم بقاؤها؟

 مجلس النواب، المفترض أنه الممثل للشعب الليبي أقر رحيل حكومة الدبيبة، واختار فتحي باشاغا لتشكيل حكومة جديدة وحدد لها مهام أهمها إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية وضبط السلاح وحل الميليشيات، وتعهد الرجل بتشكيل حكومة تمثل كل الليبيين وعدم الترشح للرئاسة والعمل على توحيد ليبيا عسكرياً وسياسياً، مع تنفيذ المهام المحددة من قبل المجلس النيابي، وفي المقابل رفض الدبيبة قرار المجلس مصراً على البقاء رئيساً للوزراء، وإجراء الانتخابات في يوليو القادم، لتكون في ليبيا اليوم حكومتان إحداهما تحت التشكيل، وجيشان ومرتزقة وكل رئيس حكومة خلفه داعمون وميليشيات تهدد وتتوعد. 

 يبدو أن هذا الوضع جاء مناسباً للإرادة الحقيقية للمجتمع الدولي، فالمواقف من الحكومتين ضبابية وغير واضحة، بل وصل الأمر بالمستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز إلى أن تلتقي كلاً من الدبيبة وباشاغا وتدعو كلاً منهما إلى الحفاظ على الهدوء والاستقرار، وكأنها لا تعلم أن هذا الموقف المحايد لا يمكن يسفر عن هدوء واستقرار، بل اقتتال وعنف سيعود بليبيا إلى الوراء ليس عشر سنوات فقط ولكن لقرون، وسيأخذها إلى عصور من الظلام ونتائج لا تحمد عقباها لا على الجوار ولا الإقليم فقط بل على العالم. 

 وستكون مدينة مصراتة التي ينتمي إليها الدبيبة وباشاغا، وتنطلق منها الميليشيات الداعمة لكل منهما هي نقطة الانطلاق إلى المستقبل المجهول لليبيا، وإذا لم يتخذ العالم موقفاً واضحاً وصريحاً ومسانداً للشرعية وداعماً للحكومة التي ينبغي أن تقود ليبيا إلى الانتخابات، ومجبراً الحكومة الثانية على الرضوخ، فإن الاقتتال سيبدأ من مصراتة ومنها إلى باقي المدن الليبية. 

 التصريحات وحدها لن تقود إلى عالم آمن، والكلام المعسول لن يوحد ليبيا، وحل الأزمة الليبية لن يكون سوى بالمواقف الدولية غير الملتبسة والإجراءات العقابية الأممية تجاه كل من يعرقل مسيرة هذه الدولة ويمنع وصول شعبها إلى بر الأمان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"