في الأمر قولان

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

حين يختلف المختلفون حول قضية ما، خاصة حين تكون متصلة بنسبة واقعة أو نص ما إلى تاريخ بعينه أو إلى شخص بعينه، يقال: إن في الأمر قولين، في إشارة إلى أنه ما من رواية قاطعة متفق عليها حوله، ومن هذا السجال الذي أثارته أبيات الشعر الجميلة التي غنتها الفنانة السورية فايا يونان، والتي تقول: «أبلغ عزيزاً في ثنايا القلب منزلهُ/ أني وإن كنت لا ألقاه ألقاهُ/ وإن طرفي موصول برؤيتهِ/ وإن تباعد عن سكناي سكناهُ/ يا ليتهُ يعلم أني لست أذكرهُ/ وكيف أذكرهُ إذ لست أنساهُ/ يا من توهم أني لست أذكرهُ/ والله يعلم أني لست أنساهُ/ إن غاب عني فالروح مسكنهُ/ من يسكن الروح كيف القلب ينساهُ؟».
الكثيرون ينسبون هذه الأبيات إلى أبي الطيب المتنبي، وهو أمر دارج، فما أن يطيب مذاق قصيدة ما في النفوس، حتى تنسب إلى شاعر كبير، ظناً منهم أن شعراً مثل هذا لا يأتي إلا من قامة بوزنه، لكن هناك من رأى أن في نسبة هذه الأبيات إلى المتنبي تقليلاً من مكانته الشعرية والبلاغية، فكلماتها، برأيهم، عادية وبسيطة.
لكنْ هناك رأي راجح ينسب هذه الأبيات إلى الشاعر علي بن الجهم (803 – 863 م) المولود في بغداد في عصرها العباسي، وفي التعريف به يقال إنه كان فصيح اللسان، وتتسم موهبته الشعرية بالرزانة والقوة، فيما البعض يقول إن بعضاً من تلك الأبيات يعود إلى بهاء الدين زهير.
يذكر أنه قبل فايا يونان لحّن هذه الأبيات وغناها كمال محمد، ونشرها على موقع «يوتيوب»، بعنوان «أبلغ عزيزاً»، ونسب أبياتها إلى المتنبي، ويلفت البعض الأنظار إلى قصيدة: «ماذا أقول له؟»، للشاعر نزار قباني والتي غنتها نجاة الصغيرة، ملاحظين أوجه الشبه بينها وهذه الأبيات، حيث يقول نزار: «ماذا أقول له لو جاء يسألني/ إن كنت أكرهه أو كنت أهواه/ أما انتهت من سنين قصتي معه؟/ ألم تمت كخيوط الشمس ذكراه؟»، ولعلكم تذكرون بقية أبيات القصيدة التي خلدها صوت نجاة وألحان محمد عبدالوهاب.
من لفتوا النظر إلى قصيدة نزار هذه غالوا فقالوا إن الأبيات التي اختلف على نسبتها إلى المتنبي والجرمي ما هي إلا معارضة أو تنويع من بعض الشعراء على قصيدة نزار، أي أن عمرها لا يتخطى بضعة عقود من السنين، وهو أمر يصعب قبوله.
دفعني لهذا العرض فيديو تلقي فيه الباحثة التونسية نسرين الدقداقي هذه الأبيات بصوت وأداء جميلين، وحين سألتها عن رأيها في السجال الدائر حول كاتبها، أجابت: «أنا أحب الأثر. ليس الأهم من قال بل ما قيل».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"