عادي
الكتابة ليست نشاطاً فردياً

التأليف المشترك.. هدم لسلطة الكاتب الواحد

01:01 صباحا
قراءة 4 دقائق
2401

الشارقة: علاء الدين محمود

يرى كثيرون أن الإبداع هو اجتهاد ونشاط إنساني فردي، باعتباره يعبر عن مشاعر أو رؤية محددة يترجمها المبدع إلى عمل فني أو أدبي تحمل بصمته الخاصة، بالتالي من الصعب أن يكون هناك منتج أدبي ناجح من نتاج جهد مشترك لمؤلفين أو أكثر، هذا ما يراه أنصار رفض الفكرة، أما مؤيدوها فيرون أن التجريب يقود المبدعين بصورة مستمرة إلى أشكال جديدة وبصورة مفتوحة على الدوام.

برزت ظاهرة التأليف المشترك في الغرب مع بدايات القرن ال 18 أكثر وضوحاً، وهناك بعض الآثار في التراث الأوروبي المتمثل في الملاحم وغيرها من إبداعات كتبت من قبل أكثر من مؤلف، وكان وراء ذلك الظهور للكتابة المشتركة في العصر الحديث فكرة واضحة، وهي الرغبة في القطع مع المفهوم التقليدي الرومانسي للتأليف القائم على العزلة والفردية والاستقلالية كأيديولوجية مسيطرة على الكتابة، واستبدالها برؤية تسعى نحو «تدمير أسس الفن البورجوازي»، فجاء التأليف المشترك، ليقضي على تلك الفردية، أو على الأقل يرخي سلطة المؤلف الواحد، ووجد الأمر جدلاً كبيراً خاصة من قبل المحافظين الرومانسيين وممن يرون أن التأليف المشترك لن يقضي على سلطة الكاتب الواحد فقط، بل قد يمتد تأثيره السلبي على الإبداع بصورة عامة كأن يغيب شخصية المؤلف، أو يجعل الفكرة غير واضحة، لأن المشاركين في الكتابة شخصيات مختلفة في رؤيتهما وأسلوبهما، إلى حد أن أحد النقاد وصف تلك الأعمال المشتركة بالرذائل المشتركة.

وبرزت العديد من المؤلفات المشتركة في الغرب التي تريد أن تنتصر لرؤية تيار أدبي ما، أو تثبت نجاح التجربة، ولعل أهمها قيام الشاعرين السرياليين أندريه بروتون وفيليب سوبو، بتأليف «الحقول الممغنطة»، عام 1920، وهو الديوان الذي وصفه فيليب سوبو رائد السريالية ب«الكتاب السريالي الأول»، وقد ترجم كل من الشاعرين المقولة الشهيرة للشاعر لوتريامون، إلى بيان بالعمل عبر ذلك الكتاب، فقد كان لوتريامون يقول:«يجب أن يكتب الشعر من الجميع لا من واحد»، وكان كتاب«الحقول الممغنطة»، بالفعل هو التجريب الذي قاد إلى نتائج غيرت بنية الشعر والكتابة، وعبر عن رفض التنميط والمقاييس التي تريد أسر الفعالية الشعرية، لذلك اختلطت القصائد المشطرة في الكتاب بالأبيات الحرة التي لا تلتزم لا بقافية ولا بوزن، وكذلك مع النصوص النثرية.

ومن الأعمال المشتركة، هناك ثنائية الكاتبين جوزيف كونراد وفورد مادوكس، ونتج عنها رواية«الوراثة»عام 1900، و«الرومانسية»، عام 1903، وتصدى كلا الكاتبين للهجمة الشرسة من قبل النقاد الذين كانوا يرون أن مثل تلك الكتابات ليست مناسبة للروائيين الجادين، فكان أن رد عليهم مادوكس بالقول: «نقاد أرضنا المفضلة لا يؤمنون بالتعاون»، لكن رواية «الرومانسية» تحديداً حققت نجاحاً وتحولت إلى فيلم سينمائي بعنوان «الطريق إلى الرومانسية».

مشروع

وهناك العديد من النماذج، حتى في مرحلة ما قبل القرن ال 18 وجمعت مؤلفين أو أكثر في عمل واحد على نحو ما فعل الكاتبين والشاعرين الإنجليزيين فرانسيس بيمونت وجون فليتشر، فألفا مسرحية «مأساة عذراء» 1610، وكتب كلا من الإنجليزيين جوزيف أديسون وريتشارد ستيل مسرحية «المتفرج» في 1711، واشترك كل من ويليام وردزورث وصامويل تايلور في مجلد يحوي الأشعار الرومانسية سمياه «القصائد الغنائية» عام 1789، وحاولا فيه استخدام اللغة العادية في شكل شعري؛ أي أن فكرة التأليف المشترك لديهما ارتبطت كذلك بفكرة ومشروع في الكتابة.

ومن الملاحظ أن جميع النماذج الذي ذكرناها لجأت إلى التشارك الأدبي كتأسيس جديد في الكتابة نحو أفق يتجاوز السائد، لكن لم تجد تلك المؤلفات الاهتمام الكبير من النقاد، وذلك لأن كل جديد يجد اعتراضاً باعتباره خروجاً عن النظام الأدبي والإبداعي السائد.

شراكات عربية

العالم العربي عرف أيضاً ظاهرة الكتابات المشتركة باكرا، وهي كذلك لها جذورها في الإرث الإبداعي العربي، لكن المؤثر الأكبر كان عامل التجريب في الغرب والتيارات الإبداعية هناك، ويؤرخ لظهور تلك الظاهرة عربيا برواية «القصر المسحور» عام 1936، والتي اشترك في تأليفها الأديبين الكبيرين طه حسين وتوفيق الحكيم، وقوبلت أيضاً بالهجوم النقدي والجماهيري، بل وذهب البعض منهم إلى الحكم بأن التجربة جاءت نتاج الصداقة والمداعبة بين الأديبين الكبيرين، وذلك بالطبع يخفي حقيقة اطلاع كل من الكاتبين على التيارات الغربية وما يجري من حركة تجريب واسعة، بل وتصادر رؤى وأفكار المبدعين الكبيرين، وتسعى مثل تلك الأحكام إلى إغلاق المجال تماماً بحيث تسود رؤية واحدة نمطية حول الكتابة.

إصدارات

ونجد أن ظاهرة الكتابة المشتركة استمرت عربياً وأنتجت العديد من المؤلفات في مجالات الرواية والقصة والمجموعات الشعرية، فهناك تجربة الأديبين جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف في كتابة رواية مشتركة حملت عنوان«عالم بلا خرائط»، عام 1982، وكذلك قام كل من يوسف نبيل وزينب محمد بإنتاج روايتين هما «في مقام العشق»، و«العالم على جسدي» ليوسف نبيل وزينب محمد، كما اشترك كل من الكاتبين السوريين خطيب بدلة وإياد محفوظ، في تأليف رواية «المستطرف الليلكي»، وهناك العديد من الأعمال الأخرى التي تشير إلى أن الكتابة المشتركة مازالت تغري الكثير من الأدباء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"