تداعيـات الحرب على سلع الطاقة الأساسية

21:40 مساء
قراءة 4 دقائق

كلايد راسل *

حتى الآن، لم تستهدف أي من الإجراءات العقابية ضد موسكو صادرات النفط الخام أو الفحم أو الغاز الطبيعي المسال، وبالنسبة للسلعة الأخيرة، قد يكون هذا اعترافاً ضمنياً بأهمية روسيا من حيث الإمداد العالمي لها، إذ تلبي حوالي 40% من الطلب السنوي الأوروبي للغاز.

ولكن حتى إذا قررت الولايات المتحدة وأوروبا والدول الحليفة الأخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية عدم فرض تدابير ضد صادرات الطاقة الروسية، فمن المحتمل أن تقوم شركات خاصة بذلك نيابة عنها وبشكل فعال، فمخاطر التعامل مع روسيا أكبر من قدرة الكثير من الشركات على تحملها، حتى بدون عقوبات.

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك تقارير تفيد بأن ناقلة فحم ضخمة، استأجرتها شركة تجارة السلع الأساسية «كارجيل»، أصيبت بقذيفة في البحر الأسود داخل المياه الأوكرانية، بعد ساعات فقط من شن روسيا الهجوم واسع النطاق على جارتها.

لذلك، سيكون عدد قليل جداً من الشركات التجارية والشحن وشركات التأمين على استعداد لتحمل مخاطر التعامل مع الشحنات القادمة من روسيا، خوفاً من هجوم صاروخي، أو مشكلات في الدفع بسبب العقوبات المالية، أو خطر عدم التسليم في حال اتُخذ مزيد من الإجراءات ضد روسيا، أو حتى رد فعل الجمهور والمستثمرين العنيف لمجرد مواصلة الأعمال التجارية مع دولة يُنظر إليها الآن إلى حد كبير على أنها تشن حرباً غير قانونية.

إذن، كيف يتم تنفيذ ذلك في العالم الحقيقي لتداول السلع؟ النقطة الأولى هي أنه من المحتمل أن نشهد عملية طويلة وممتدة تستمر لأشهر، إن لم يكن سنوات. ومن المرجح أن تستمر صادرات سلع الطاقة الروسية لبعض الوقت كما هي، لكن المعطيات ستتغير بعد ذلك.

على صعيد النفط الخام، زودت روسيا نحو 2.66 مليون برميل يومياً من الخام بحراً إلى أوروبا في فبراير/شباط الجاري، وفقاً لبيانات «ريفنيتيف»، وتشحن بانتظام أكثر من مليوني برميل يومياً كل شهر. الآن، ستُحجم مصافي التكرير الأوروبية عن شراء الخام الروسي، ومن المحتمل أن يتم طرح «الأورال الرئيسي» بأسعار مخفّضة للغاية للعثور على مشترين محتملين. وقد سجلت فروق الأورال الروسي بالفعل أدنى مستوى لها على الإطلاق، حيث انخفضت 11 دولاراً للبرميل الخميس مع تبخر الاهتمام بالشراء من شمال غرب أوروبا.

فمن سيكون على استعداد لشراء خام الأورال؟ الجواب الواضح حالياً هو الصين، التي أشارت حتى الآن إلى أنها لن تنضم إلى أي عقوبات تُفرض ضد روسيا. لكن لكي يذهب الخام الروسي إلى الصين، سوف يتعين عليه القيام برحلة بحرية طويلة عبر قناة السويس أو حول رأس الرجاء الصالح، مما يزيد من تكلفة النقل. وهذا يعني أنه من المرجح أن تطلب شركات التكرير الصينية خصومات أكبر من أجل الحصول على شحنات الأورال، وحتى مع ذلك، فمن غير المرجح أن تقترب من الكميات التي من المحتمل أن تخسرها روسيا في أوروبا.

وتزوّد روسيا بلدان منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالنفط الخام عبر خط أنابيب «شرق سيبيريا - المحيط الهادئ» من ميناء كوزمينو، وقد صدّرت 1.29 مليون برميل يومياً إلى آسيا في شباط، وتوجه الجزء الأكبر منها، نحو 718 ألف برميل، يومياً إلى الصين. لكن هناك نحو 572 ألف برميل تذهب يومياً إلى مشترين آسيويين آخرين، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، وبحسب التطورات الحاصلة، فهذه التدفقات معرضة لخطر التوقف في الأشهر المقبلة، ما يعني أن روسيا ستبحث عن أسواق جديدة، أو تحاول ضخ المزيد من الأحجام في السوق الصيني. كما ستسعى شركات التكرير الأوروبية، وكذلك تلك الموجودة في اليابان وكوريا الجنوبية، إلى زيادة وارداتها من موردين بديلين، ولكن بالنظر إلى الطبيعة الضيقة الحالية لسوق النفط الخام العالمي، سيكون هذا أمراً صعباً.

وبخصوص الفحم والغاز الطبيعي المسال، بلغت أحجام الشحن البحري للفحم الروسي إلى أوروبا في فبراير/شباط 2022 نحو 3.27 مليون طن، وفق تقديرات «ريفنيتيف». ومرة أخرى، من المحتمل أن تتدهور هذه التجارة بالنسبة للمرافق الأوروبية، مما يعني أنها ستكافح لشراء شحنات بديلة من الولايات المتحدة وكولومبيا وجنوب إفريقيا. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى خنق أسواق الفحم العالمية المنقولة بحراً، خاصة إذا كانت اليابان، والتي اشترت بالفعل 1.18 مليون طن من الفحم الروسي في يناير/كانون الثاني الماضي، تسعى وراء موردين آخرين.

وقد تم تقييم الفحم الحراري الأسترالي المعياري من ميناء نيوكاسل من قبل «جلوبالكول» عند 244.29 دولار للطن يوم الخميس الماضي، بزيادة 1.6% وأعلى بكثير من 226.39 دولار قبل أسبوع.

أما الغاز الطبيعي، فهو الموضوع الذي ستتعقد فيه الأمور بالنسبة لأوروبا، بالنظر إلى اعتمادها الكبير على روسيا وعدم وجود بدائل متاحة بسهولة. 

كما يمكن لأوروبا أيضاً أن تستثمر بكثافة في توليد الطاقة المتجددة وتخزين البطاريات، ولكن على المدى القصير إلى المتوسط، لا تزال القارة تعتمد على روسيا.

* كاتب في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب في رويترز

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"