عادي

أوكرانيا.. العالم ينزلق نحو الفوضى

22:47 مساء
قراءة 4 دقائق
صورة الأسبوع السياسي

كتب - بنيمين زرزور:
دخل العالم مرحلة جديدة من الفوضى والإرباك المصحوب بالرعب، بمجرد تحرك أول قوة روسية نحو إقليم دونباس، قبل أسبوع، تلتها حرب شاملة في أوكرانيا لم تكتمل حلقاتها بعد، حيث يبدو أن العالم ينزلق سريعاً نحو الهاوية، ولا يدري أحد إلى أين يمكن أن ينتهي.

أثارت الحرب التي لم تكن مفاجئة، عدداً من الأسئلة تتردد في كل مكان، وتشغل بال الناس العاديين، مثلما تشغل أذهان المحللين، ولعل أبرزها: هل أخطأ بوتين الحسابات؟ وهل حوصر إلى الدرجة التي لم يبق له معها خيار سوى الحرب؟ ولماذا يتردد الغرب و«الناتو» الذي حرض روسيا على الوصول إلى هذه النقطة، في الرد على الهجوم الروسي؟ وأخيراً وليس آخراً هل يستطيع من أطلق شرارة الحرب أن يطفئها وفقاً لحساباته؟

عجز غربي

وتتسارع خطوات التحرك السياسي والعسكري على خارطة العالم مع كل ساعة تحتدم فيها المعارك على الأرض. فقد تعرضت روسيا لسيل من قرارات الإدانة، وهذا رد فعل طبيعي ومفهوم. لكن ما هو غير طبيعي تجييش دول العالم ضد روسيا عبر تحريض بعضها على شجب العمل العسكري، كأن الحل كله في ذلك الشجب.إذ بدا أن مشاركة قوات غربية، خاصة أمريكية، غير متوفرة، وهذا ما كرره الرئيس جو بايدن، في خطاب حالة الاتحاد، يوم الثلاثاء الماضي.

إلا أن الأزمة خلقت وضعاً جديداً في القارة الأوروبية، حيث لا تملك القدرة على فعل أي شيء سوى المقاطعة، وإرسال السلاح. بينما أطلقت حملات جمع المتطوعين للدفاع عن أوكرانيا في مشهد يؤكد قلة الحيلة العسكرية على الصعيد الرسمي، حيث تقيد قوانين تلك الدول نشاط جنودها خارج الحدود، ويعيد إلى الأذهان التجربة الروسية في أفغانستان.

وعلى صعيد العقوبات، تخلت سويسرا عن حيادها وقررت تجميد أموال روسيا في لفتة تدل على شراسة حملة الرد الأوروبية، بينما قررت السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف الناتو، وأرسلت الأخيرة أسلحة إلى أوكرانيا. أما ألمانيا التي تحررت من قيود الحرب العالمية الثانية، فكانت في مقدمة الذين دانوا الهجوم، وطالبت روســـيا بوقف الأعمـــــال العدائية، ورفعت مستويات تصنيعها الحربي إلى ما كانت عليه قبل عام 1939. ويجري الحديث جدياً في الأوساط السياسية عن إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية على الشباب الألمان.

إلا أن الاقتصاد العالمي الذي يعاني أساساً ركوداً نتيجة قيود كورونا، ربما يكون الضحية المنسية في هذه المعمعة، رغم أهميتها. فقد تقطعت أوصال العالم، حيث تسارع دول عدة إلى إغلاق مجالها الجوي أمام حركة الطيران الروسية، بينما أغلقت روسيا مجالها الجوي أمام شركات الطيران الغربية، كأن التجارة العالمية لا ينقصها سوى هذه القيود. وأغلقت بريطانيا موانئها في وجه السفن الروسية في خطوة سوف تتبعها خطوات أكثر تشدداً تدفع حركة التجارة إلى طريق مسدود. أضف إلى ذلك مسارعة الشركات الغربية العاملة في روسيا لوقف نشاطها هناك، وعلى رأسها شركات النفط.

على صعيد آخر، أعلنت شركة «نوردستريم» التي تدير مشروع شبكة أنابيب الغاز الروسي، عن إفلاسها قبل يومين، وهو الخط الذي ظل موضع أخذ ورد على مدى سنوات إنشائه قبل أن تحسم الجدل حوله المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في زيارتها الأخيرة إلى واشنطن. لكن السلطات الألمانية لم تعتمده رسمياً بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا. ولا شك في أن كل ما يتعلق بالطاقة في أوروبا صار اليوم مصدر صداع دائم لكل دول القارة في غياب البدائل عن الغاز الروسي، خاصة في فصل الشتاء حيث ارتفعت تكاليف التدفئة بما يزيد على 50%.

نظرية المؤامرة

ووسط تعقيدات الأزمة وتعدد زوايا النظر إليها، انتعش دعاة نظرية المؤامرة الذين يصرون على أن الأزمة برمّتها مدبّرة، وتهدف إلى تحريك عجلة الصناعات الرأسمالية التي تعاني ركوداً منذ عام 2008. وما هذه الحرب المدمرة إلا نافذة إلى عقود إعادة إعمار ضخمة بانتظار الاحتكارات الرأسمالية التي ضخت استثماراتها في قطاعات التقنية والتصنيع المعاصرة وتنظر إلى تحقيق عائدات مجزية منها.

ويعتقد محللون أوروبيون أن الأزمة تدار بدقة، وسط غموض قاتل يخفي الأهداف التي شنت من أجلها الحرب. ويرى بعضهم أن الحرب سوف تحقق أهدافاً عدة في آن واحد، أهمها إعادة الانضباط عالمياً في إطار قطبية جديدة من دون أن تضطر القوى الكبرى للقيام بأعمال عسكرية.

وقد تجنب هذه الحرب واشنطن مواجهة مع الصين وروسيا في وقت واحد غير مضمونة النتائج. إلا أن أبرز تلك الأهداف قد يتمثل في تجنب صدام نووي لا يبقي ولا يذر، ولعل هذا ما يفسر مسارعة بوتين للتهديد بوضع ثالوث روسيا النووي في حالة تأهب قصوى.

كما يفسر تردد الغرب في ضم أوكرانيا إلى حلف «الناتو» وحسم المسألة، ذلك أن بقاءها خارج الحلف يغري روسيا بالمسارعة لعمل عسكري قد لا تكون روسيا قادرة على حسمه سريعاً، وبالتالي الدخول في حرب استنزاف لا نهاية لها.

ويكتنف الغموض مآلات الحرب ومساراتها والنتائج المحتملة أيضاً. فمن المحتمل أن تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها عبر المحيط الأطلسي، بل والعالم بأسره، فترة صعبة من الصراع المستمر مع روسيا.

ويبقى السيناريو الأكثر خطورة لمستقبل أوروبا والنظام العالمي هو الذي يمهد فيه الصراع الأوكراني المسرح لنزاع عسكري مباشر بين «الناتو» وروسيا.

وهناك أيضا سيناريو آخر يتعلق باحتمال أن يكون لدى بوتين مخططات أوسع خارج أوكرانيا، خصوصاً إذا أحرزت القوات الروسية تقدماً سريعاً في أوكرانيا، وحققت سيطرة محكمة عليها.

وأخيراً، تبقى كل هذه الاحتمالات رهناً بالقرارات التي تمليها التطورات المتسارعة على الأرض خلال الأيام المقبلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"