عادي

العقوبات.. سيف ذو حدين

22:53 مساء
قراءة 4 دقائق
3321212

كتب - المحرر السياسي:
لم تكن مسارعة الغرب لفرض عقوبات متتالية على روسيا مفاجئة مثلما لم يكن الغزو الروسي لأوكرانيا مفاجئاً أيضاً، لكن الذي فاجأ المراقبين وشعوب العالم أجمع، مسحة الاستهتار التي توحي بها قرارات زعماء يفترض في أنهم مسمار الأمان في عالم اليوم المضطرب.

صحيح أن العقوبات التي يستسهلها الغرب على روسيا أفضل من الدخول في حرب مباشرة، لكنها على ما يبدو لن تكون أقل تدميراً من المعارك، سواء لجهة تبعثر جهود العالم في مواجهة الكوارث الملحة، أو لجهة القيود التي تفرضها على حركة الأموال والسلع والتي سيعانيها ثلثا سكان الأرض في المدى القريب، وهم في الغالب شعوب الدول الأفقر.

لكن منذ عام 2014، عندما فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عقوبات على موسكو بعد ضم شبه جزيرة القرم، كان الرئيس الروسي يحاول بناء اقتصاد قادر على تحمل عقوبات أكثر صرامة.

وأعلن الغرب خلال الأسبوع الماضي، عن فرض حزمات متتالية من العقوبات تستهدف الجهاز العصبي للنظام المالي الروسي وتضع «اقتصاد المتاريس» على المحك.

صندوق حرب

ولعل أبرز تلك القرارات حرمان بعض البنوك الروسية من خدمات «سويفت» وهي خدمة عالمية للرسائل المالية، ما قد «يشل» أصول البنك المركزي الروسي. فقد أدى احتمال صدور القرار إلى انهيار الأسهم الروسية بنسبة 33٪، بينما يواصل الروبل تداوله بالقرب من أدنى مستوياته القياسية مقابل الدولار واليورو.

وفقاً لبيانات البنك الدولي، يحتل الاقتصاد الروسي الذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار المرتبة 11 في العالم. لكنه منذ عام 2014، لم يحقق نمواً يذكر في الناتج المحلي الإجمالي، كما تراجعت قيمة الروبل، ما قلص قيمة الاقتصاد الروسي بمقدار 800 مليار دولار.

خلال نفس الفترة، حاولت موسكو فطام اقتصادها المعتمد على النفط، عن الدولار، وقلصت الإنفاق الحكومي، بينما تراجعت احتياطياتها من القطع الأجنبي.

وسعى مخططو الاقتصاد إلى دعم الإنتاج المحلي لبعض السلع بمنع استيرادها. في غضون ذلك، أنشأت موسكو صندوق حرب بقيمة 630 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية - وهو مبلغ ضخم مقارنة بما لدى البلدان الأخرى.

وقال ديفيد لوبين، الخبير الاقتصادي في «سيتي بنك» وزميل مشارك في«تشاتام هاوس»، إن «اقتصاديات المتاريس» تتطلب تكوين احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية يمكن إنفاقها إذا كانت العقوبات مؤلمة، وقد اتبعت روسيا هذا النمط بحزم«.

واتخذت موسكو خطوات سريعة لمواجهة العقوبات أبرزها نشر بعض تلك الاحتياطيات. وقال البنك المركزي الروسي إنه يتدخل في أسواق العملات لدعم الروبل، ويزيد المعروض من النقد في أجهزة الصراف الآلي لتلبية الطلب المتزايد على السيولة. وذكرت وكالة الأنباء الروسية الحكومية «تاس» أن العديد من البنوك شهدت عمليات سحب متزايدة منذ غزو أوكرانيا، لاسيما من العملات الأجنبية.

أثناء بناء صندوق الحرب، حدت استراتيجية بوتين الصارمة أيضاً من النمو الاقتصادي والاستثمار والإنتاجية، وأعطت الأولوية للشركات الحكومية على الشركات الخاصة. وتراجعت مداخيل المواطنين الروس العاديين إلى مستويات غير مسبوقة، و تضاءل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بينما أخفقت روسيا في التنويع بعيداً عن النفط والغاز، ما تركها معرضة بشدة لتقلبات أسعار السلع الأساسية العالمية.

عقوبات مالية

وتستهدف العقوبات الأمريكية أكبر مؤسستين ماليتين في روسيا، وهما «إس بر بنك» و«في تي بي»، وذلك بحرمانهما من معالجة المدفوعات من خلال النظام المالي الأمريكي. ولن يُسمح للشركات الروسية المملوكة للدولة بجمع المال من الأسواق الأمريكية. وتغطي العقوبات ما يقرب من 80٪ من الأصول المصرفية في روسيا. كما تحاول الولايات المتحدة أيضاً عرقلة الشركات العسكرية والصناعية الروسية بمنعها من شراء التكنولوجيا المهمة مثل رقائق الكمبيوتر المتقدمة.

وأعلن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة واليابان وأستراليا ودول أخرى، عن فرض عقوبات ضد الشركات والأفراد الروس، وهو إجراء منسق غير مسبوق من حيث نطاقه وتأثيره الاقتصادي المحتمل. وذهب مسؤولو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى أبعد من ذلك عندما فرضوا عقوبات على بوتين شخصياً.

من المؤكد أن إزالة روسيا بالكامل من نظام سويفت سيجعل من الصعب على المؤسسات المالية إرسال الأموال داخل أو خارج البلاد، ما يؤدي إلى صدمة مفاجئة للشركات الروسية وعملائها الأجانب - وخاصة مشتري صادرات النفط والغاز المقومة بالدولار الأمريكي.

لكن روسيا التي قال وزير خارجيتها، سيرجي لافروف، إنها سوف تستغني عن الغرب كلياً، كانت تعد اقتصادها لمثل هذه اللحظة. ومعلوم أن أسعار النفط العالمية البالغة 100 دولار للبرميل، تحقق للدولة كميات هائلة من الإيرادات.

الطيران والغاز

وقد يكون حظر استخدام المجال الجوي لبعض دول الغرب أمام حركة الطيران المدني الروسي، نمطاً جديداً ومؤلماً من العقوبات وإن كان ينم عن غل شديد وتسرع، ذلك لأن الرد بالمثل سوف ينقلب على مجمل حركة الطيران في أوروبا وغرب آسيا، الأمر الذي يزيد من احتمالات شمول العقوبات نصف سكان العالم بغض النظر عن صلتهم بغزو أوكرانيا.

من جهة أخرى، حرصت الدول الغربية على معاقبة موسكو دون إلحاق أضرار جسيمة باقتصاداتها. لكن ذلك قد لا يكون في مقدورها، خاصة أن أسعار الغاز الطبيعي مرتفعة للغاية في أوروبا، وقد يؤدي قطع الإمدادات من روسيا إلى ارتفاعها أكثر. وبالمثل، فإن انخفاض صادرات الخام الروسي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط و مشتقاته الاستراتيجية خاصة البنزين.

ومع تقدم القوات الروسية في العاصمة كييف، يقول البعض إن الغرب يجب أن يكون على استعداد لدفع ثمن اقتصادي باهظ. وقال تايلر كوسترا، الأستاذ المساعد في السياسة والعلاقات الدولية بجامعة نوتنغهام في إنجلترا: «نحتاج إلى خمس سنوات كي نضعف الاقتصاد الروسي،لذا لا بد أن نجد مخرجا لتسريع الضربة».

وعلى الرغم من الحملة الإعلامية المنسقة التي ترافق قرارات فرض العقوبات الغربية؛ بحيث توحي بتوحيد المواقف الأوروبية والأمريكية في مواجهة الأزمة، فإن مواقف الدول لا تزال متباينة حول أهم القرارات وفي مقدمتها خدمة «سويفت» التي تعارضها واشنطن حتى الآن. فهل تصبح العقوبات سيفاً ذا حدين؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"