عادي
أكدوا أن التصادم بينهما عقيدة المتشددين.. علماء:

الولاء الوطني جزء من الانتماء الديني

23:04 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

أكد أكثر من 150 وزير أوقاف ومفتياً وباحثاً إسلامياً يمثلون 45 دولة في ختام اجتماعاتهم في القاهرة، أخيراً، رفض الإسلام وإدانته الواضحة لخطاب الكراهية والعنف بين أتباع الأديان السماوية، لافتين إلى أنه دين سلام وحرية دينية ويرفع شعار «لا إكراه في الدين»، ويعمق من قيم التسامح والحوار واحترام ثقافة الآخر من خلال نصوص دينية واضحة لا تقبل الجدل أو التأويل.

وشدد العلماء والمفكرون في مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية المصري، تحت عنوان: «عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي»، بحضور كوكبة من وزراء الشؤون الدينية، والمفتين، والعلماء، والمفكرين، والمثقفين، والبرلمانيين، والإعلاميين، والكتاب، من المسلمين وغيرهم من مختلف دول العالم، أن الإسلام لا يصادر الحرية الدينية لمن يعيش على أرضه من غير المسلمين، بل يحترم مفردات عقيدتهم، ويرحب بالحوار معهم من أجل العيش في سلام وأمان، ويضمن الحقوق الدينية والمدنية والاقتصادية والسياسية لغير المسلم الذي يعيش وسط أغلبية مسلمة.

وأوضح العلماء أن مفهوم الدولة في الإسلام مرن متطور، ولا ينحصر في أنموذج تاريخي معين كما يحاول بعض المتشددين تصويره، ومن هنا لا يجوز فرض نمط ثابت أو قالب جامد للدولة الإسلامية، فهذا يعني غاية الجمود والوقوف عكس اتجاه عجلة الزمن، ويشكل شللاً لحركة الحياة، فالتطور سنّة الله في كونه. كما أن الولاء الوطني لا يتصادم مع الانتماء الديني إلا في أذهان المتطرفين الذين يهدرون مفهوم الوطنية انطلاقاً من مفاهيم وثقافة متطرفة تروج لها جماعات التطرف الديني لخدمة أيديولوجياتها.

أكد د. شوقي علام، مفتى مصر، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الإسلام يرسخ مفهوم المواطنة الحقيقي ويرتقي به بعيداً عن المفاهيم الضيقة العالقة بأذهان بعض الناس، خاصة هؤلاء الذين يتسببون في إثارة البلبلة والفوضى في كثير من البلدان، تحت دعاوى كاذبة روجتها تلك الجماعات المتطرفة التي تظن أو تتوهم وجود تعارض بين مفهوم المواطنة، وبين العقيدة الإسلامية الصحيحة.

وأضاف: كل صاحب عقل سويّ وفطرة نقية وفكر مستقيم، يعلم تمام العلم أن قضية الوطن وما تفرع عنها من مفهوم المواطنة قبل أن تكون عقداً له خصائص فقهية وقانونية محددة، هي في المقام الأول فطرة إنسانية، وسنة كونية، فالقرآن الكريم يربطنا بأوطاننا، فالطرد من الوطن يستوجب القتال والتضحية، إذ يقول الحق سبحانه: «وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا». وفى هذا النص القرآني إشارة إلى شدة الانتماء الفطري إلى الأوطان، وأن الخروج من الوطن شديد على النفس.

وأوضح مفتي مصر أن الوطن في نظر الإسلام «بيت وسكن لجميع مَن نشأ فيه وتربَّى في ظلاله بغض النظر عن دِينه أو لونه أو عِرْقه»، وأنه لذلك يشدد الإسلام على ضرورة احترام العلاقات الإنسانية لحفظ الحقوق والواجبات بين كل من يعيش على أرض الوطن؛ حيث يتولد من هذا المفهوم الفطري الإنساني العظيم؛ مفهوم آخر فقهي وقانوني وإداري ينظم هذه العلاقة بين الأفراد، على اختلاف تنوعهم، وبين الوطن أو الدولة، حتى تؤتي ثمارها على أكمل وجه وأبدع نظام، يكون فيه نفع البلاد وسلامتها من الاضطراب والفوضى إذا ما تركت الأمور على غير هدى ونظام، وهذا المفهوم القانوني هو ما يطلق عليه علماء الشريعة الإسلامية «عقد المواطنة».

تسامح ومودة ورحمة

أكد الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية السعودي، أن «عقد المواطنة في الإسلام يؤكد ثوابت الدين والتعايش السلمي على المستويين المحلي والدولي، فالإسلام يضبط السلوك العام للمسلم وغيره بضوابط قانونية وأخلاقية ليعيش الجميع على أرض الإسلام في تسامح ومودة ورحمة بعيداً عن الصراعات الدموية التي شاهدناها في مجتمعات أخرى أهدرت فيها حقوق غير المسلمين».

وشدد على أن «الإسلام هو دين رعاية العهود والمواثيق وحفظ الحقوق، ولم تشهد البشرية نظاماً راسخاً يراعى هذه الحقوق ويفي بالعهود مثل دين الإسلام».

ودعا إلى الاستفادة من تعاليم وقيم الإسلام في صياغة عقد المواطنة، «فهي بحكم الالتزام بثوابت الدين تحقق ما يصبو إليه الجميع من تعايش سلمي، وقيام الدول والمجتمعات على ركائز ثابتة تستهدف تحقيق الألفة والاجتماع، ونبذ الفرقة والاختلاف».

وطالب الدول الإسلامية بالعناية بعقود المواطنة التي تكتسب أهمية بالغة في ظل الظروف الراهنة التي تهدد أمن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وبروز قوى ظلامية تحاول هدم الكيان وزعزعة الاستقرار، وتغوير الهوية الوطنية القائمة على وحدة الانتماء للدين والوطن.

نموذج إماراتي

أكد د. محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، أن الإمارات رسخّت قيم المواطنة في دستورها ومعاملاتها، وعززت مفاهيمها على أراضيها، وأصبح كل مواطن يشعر بالولاء للوطن ويفتخر بما حققه من ازدهار واستقرار، فتحولت المواطنة إلى ممارسات سلوكية مثل احترام القوانين والتحلي بالقيم الإنسانية الأصيلة، وأصبح كل إماراتي يعكس صورة إيجابية لوطنه.

وقال الكعبي: «عندما نتحدث عن مفهوم المواطنة، نستحضر في أذهاننا معاني حب الوطن الذي عشنا وأكلنا من خيراته، فصار جزءاً من كياننا لا نقوى على فراقه، حتى صار حب الوطن ممزوجاً بقيمنا الدينية وحياتنا التكوينية.

وعجزت التيارات المتطرفة عن استيعاب هذه المعاني الراقية لقيم المواطنة، فشوهت قيمة الوطن وروجت لمفهوم «الأمة» في مقابل «الدولة الوطنية»، مما دفعها إلى الانخراط في تدمير أوطانها، وتقتيل جيرانها تحت شعارات مضللة».

وأوضح الكعبي أن «مفاهيم المواطنة والدين تكاد تكون ممتزجة في وجداننا، إلا أن الجماعات المتطرفة عجزت عن هذا الفهم، وتعاملت على أن الوطن والدين نقيضان».

مبادئ السلام الاجتماعي

اتفق العلماء والمفتون على مجموعة من المبادئ العامة لتحقيق السلام الاجتماعي بين أهل الأديان جميعاً أطلقوا عليها «ميثاق القاهرة». ومن هذه المبادئ:

- تحقيق السلام مطلب شرعي ووطني وإنساني يسعى لتحقيقه كل إنسان نبيل، وهو أصل راسخ في شريعتنا الغراء.

- الحوار بين الأفراد يعادله التفاهم بين المؤسسات، والتفاوض بين الدول، وتحقيق ذلك على أرض الواقع يدعم السلام.

- الدعوة إلى إصدار ميثاق دولي يجرم الإساءة للمقدسات والرموز الدينية، ويتصدى لخطاب الكراهية والعنصرية باعتبارهما جرائم تهدد السلم والأمن الدوليين.

- السلام الذي نسعى إليه هو سلام الشجعان القائم على الحق والعدل والإنصاف، النابع من منطق القوة الرشيدة التي تحمي ولا تبغي.

- السلام لا يعني مجرد عدم الحرب، إنما يعني عدم إيذاء الإنسان لأخيه الإنسان، فلا بد من أن يحرص كل منا على عدم أذى الآخر، أو أن يحاول النيل من معتقداته وثوابته الدينية أو الوطنية.

- تكثيف جهود نشر ثقافة السلام، والتحول بها من ثقافة النخب إلى ثقافة المجتمعات والأمم والشعوب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"