عادي
الكاميرا جواز سفره وآسيا عشقه الأول

ستيف ماكوري: الوجوه في الإمارات تجسد روح السلام والرضا

22:35 مساء
قراءة 5 دقائق

حوار: مها عادل

عندما اشتهرت صورة الفتاة الأفغانية شيربات جولا عام 1984 التي ظهرت على غلاف مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» بعينيها الخضراوين ونظرتها المتحدية، لقبت ب «موناليزا أفغانستان». وأصبح المصور الفوتوغرافي الأمريكي ستيف ماكوري الذي التقط الصورة واحداً من أشهر المصورين في العالم، ليمضي سنوات عمره بعدها يطوف بالبلدان ويتنقل بين قارات العالم ونقاط التماس الساخنة باحثاً عن رؤى فوتوغرافية مبتكرة للتعبير عن ملامح الوجوه ومشاعر البشر والقيم الإنسانية التي تتجسد في الأزمات والحروب وسلوكيات الشعوب وتعاملاتها في الأسواق والشوارع والمدن والقرى حول العالم ليحصد العديد من الجوائز العالمية المرموقة.

ماكوري كان أحد أبرز ضيوف المهرجان الدولي للتصوير في الشارقة «إكسبوجر» في دورته التي أقيمت مؤخراً، وعلى هامش مشاركته دار بيننا هذا الحوار للتعرف عن كثب إلى أفكاره ومحطات حياته وأهم اللقطات بمشواره.

استهل ماكوري حديثه عن علاقته بالشارقة، قائلاً: علاقتي بهذه الإمارة الجميلة وطيدة وحميمة لدرجة كبيرة، فهذه هي المرة الثالثة التي أزورها فيها وعادة ما تترك في نفسي أثراً طيباً لأنها تزخر بمعالم وفعاليات ثقافية رائدة وملهمة، الأمر الذي جعلها مقصداً للمثقفين ومحبي الفنون المختلفة من كل أنحاء العالم. واستمتعت كثيراً بالتعرف إلى معالم الشارقة السياحية الساحرة، ولأنني مهتم جداً بتصوير الوجوه والحياة العامة أتمنى أن تسنح لي الفرصة في المستقبل لتصوير مظاهر الحياة اليومية في الإمارات، خاصة الشارقة، فما لاحظته أن ملامح الناس من حولي على اختلاف الجنسيات ملهمة ومعبرة للغاية وتجسد روح السلام والرضا بوضوح.

وعن تخيله لأهم العناصر التي قد تجذبه لالتقاط صور بالدولة، قال: بالتأكيد ستكون أهم عناصر الجذب لكاميرتي وجود الناس على الشواطئ وفي الحدائق وممارسة الحياة اليومية التي يتفاعلون فيها سوياً باختلاف ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم بشكل متناغم ومتسامح، والمناخ المسالم الذي يسود كل مكان وهي ملامح أسعى دائماً لرصدها. ومن العناصر المهمة التي تجذب اهتمامي بالدولة فنون العمارة الحديثة والقديمة والأماكن التراثية والمعالم السياحية التي تنطق بالحداثة والجمع بين التاريخ وملامح المستقبل في تناغم لافت.

وحول مشاركته بالمهرجان قال: «هو من أكثر المعارض والمهرجانات الدولية التي رأيتها في حياتي إبهاراً، بداية من براعة التنظيم إلى كفاءة الاستضافة وتنوع موضوعات المعرض وتعدد جنسيات المصورين المشاركين. وسعدت كثيراً بهذه المشاركة الأولى ووجدت بالمهرجان فرصة سانحة ومنصة راقية للقاء العديد من الزملاء والمبدعين في مجال التصوير الضوئي والتعرف إلى الكثير منهم والاطلاع على أعمالهم ورؤاهم واهتماماتهم فهي تجربة غنية أضافت لخبراتي الكثير.

وقال عن مجموعة الصور المشاركة بمعرضه بالمهرجان: حرصت بالتعاون مع المنظمين على اختيار مجموعة من الصور التي ترصد أهم المحطات بمشواري في مجال التصوير وهي تروي رحلتي وتسجل يومياتي وتنقلاتي المتعددة مثل رحلاتي إلى باكستان وبنجلاديش وسيريلانكا وأفغانستان وميانمار والصين والتبت، لأن أغلب رحلاتي وأعمالي كانت في آسيا بعد أن شغلتني دولها كثيراً وأمضيت بها سنوات طويلة وسحرني بها تنوعها المذهل وغموضها وأسرارها كما سبق لي زيارة دبي وأبوظبي أيضاً لتقديم بعض ورش العمل في مجال التصوير، وكانت زيارات ملهمة أيضاً. وحرصت على استقبال زوار معرضي الخاص بعبارة بمدخله تعكس أفكاري وهي «تشكلت حياتي من منطلق حاجتي للتنقل والملاحظة وكاميرتي هي جواز سفري».

نقطة تحول

حدثنا ماكوري عن قصة الصورة الشهيرة للفتاة الأفغانية التي كانت سبباً رئيسياً في شهرته عالمياً، وقال: هذه الصورة كانت نقطة تحول كبيرة في مشواري المهني، فقد رأيتها لأول مرة في معسكر للاجئين في باكستان في الثمانينات وخطفتني نظرتها التي حدثتني بالكثير عن مشاعرها والكثير من القصص من دون أن تلفظ بكلمة واحدة ولم أتخيل حينها أن صورتها سيكون لها هذا التأثير الكبير في حياتي.

وقررت البحث عن الفتاة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ أصبحت أخبار أفغانستان وشعبها مثار اهتمام العالم إلى جانب أنني كنت طوال الوقت أشعر أن هناك صلة استثنائية نشأت بيننا وأن القصة لم تكتمل بعد، ولهذا خضت رحلة صعبة للبحث عنها والوصول إليها واكتشفت أنها لا تعلم أي شيء عن صورتها الشهيرة وعلمت حينها كيف سارت حياتها وأنها أصبحت تعيش في قرية في أفغانستان وسط ظروف شديدة القسوة والصعوية بعد أن أصبحت أرملة تعول 3 أطفال بمفردها ولم تحصل على قدر كاف من التعليم يؤهلها لأي عمل مناسب. وسعدت كثيراً بقدرتي على مساعدتها في تعليم أطفالها وتوفير حياة أفضل لهم كما ساعدتها بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بالسفر إلى إيطاليا واللجوء هناك حيث تعيش في سلام مع أطفالها. وأعتقد أن قصتها ونظراتها تعبر عن الإصرار والاعتزاز بالنفس والفخر بالذات رغم قسوة الظروف.

وأكد ستيف ماكوري أهمية التخصص كدعامة أساسية للتميز في مجال التصوير، قائلاً: «في رأيي أن كل مصور محترف يظل يبحث عن المساحة الخاصة به التي يستطيع أن يبرز بها ويستطيع أن يعبر عن ذاته ورؤيته أكثر ويتميز عن غيره من خلالها وعندما يجد ضالته وينجح في التخصص، يصبح خبيراً بها أكثر من غيره فكلما تخصصت وتعمقت في شيء ما واكتسبت خبرات متراكمة فيه يمكنني الوصول لهدفي في الحياة ولذلك لدينا تخصصات في مجال التصوير كما توجد في مجال الطب مثلاً».

ورحب ماكوري بمنافسة بعض الهواة للمحترفين عبر التقاط بعض الصور المعبرة والمؤثرة أحياناً بهواتفهم المحمولة، وقال ضاحكاً: «يسعدني رؤية ذلك كثيراً، فهذا التطور يثري المجال ويزيد من قيمة وأهمية الصورة في وجدان العامة والهواة ولا أجد ذلك تحدياً لنا على الإطلاق، بل على العكس، فانتشار المعرفة بأهمية الصورة وسهولة الحصول عليها يعززان الوعي بدورنا ومجالنا بشكل كبير، ويزيدان من شغف البعض بتعلم أصول التصوير الفوتوغرافي الاحترافي وهذا تأثير إيجابي بالطبع.

وأشار إلى أن أهم النصائح التي يمكن أن يوجهها للمبتدئين هي التمسك بالشغف والاستمرارية والإصرار والدراسة والممارسة والتضحية أيضاً، موضحاً أن «الأمر يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد وبالنسبة لي، فقد أهديت التصوير أغلب سنوات عمري وسعدت كثيراً بأن أجوب دول العالم بحثاً وراء صورة جيدة وزرت ما يزيد على 100 دولة».

وعن تأثير سفرياته المتواصلة على أسرته وحياته الاجتماعية، قال: «بالطبع تأثرت حياتي العائلية للغاية، فقد أمضيت أغلب سنوات حياتي من دون أن أكوّن أسرة لكنني تداركت الأمر مؤخراً وتزوجت منذ بضع سنوات وأنجبت طفلتي الوحيدة التي تبلغ الآن خمس سنوات، ولكنني غير نادم على ما أنفقته من سنوات العمر برفقة عدستي خاصة أن الحظ أسعدني في النهاية بالحصول على أسرة صغيرة وسعيدة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"