فيتامين العقل

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

لأبداننا حق علينا وننشغل بصحتها ونلبي نداءات كل عضو فيها للحفاظ على سلامتها، لكن الصحة لا تقتصر على تغذية البدن فقط، بل هناك غذاء آخر مهم وواجب علينا الاهتمام به يمكننا من الحفاظ على صحة العقل. غذاء يعتمد على تنمية الفكر وتوسيع أطر التفكير السليم والقدرة على استقبال الأفكار المختلفة والثقافات المتنوعة واختيار الأنسب والتحليل والتحاور وعدم الانسياق الأعمى خلف أي فكر والتمييز بين الصالح والطالح والاعتدال والتطرف والانفتاح والعنصرية. 
فيتامين العقل مصدره الأول القراءة، وكلما كثفنا الجرعات مبكراً ومنحنا أطفالنا ما يناسبهم ويتوافق مع مراحلهم العمرية من هذا الفيتامين وبشكل يومي، حصّناهم من مخاطر السموم التي يحاول البعض حقن عقولهم بها لاحقاً، وحميناهم من الجهل والتفكير المحدود والانغلاق على الذات والتطرف والانسياق كالقطيع خلف أي مدعي ثقافة ومدعي علم في هذا العالم. 
كثيراً ما نسمع أولياء أمور يشتكون من عدم رغبة أبنائهم في قراءة أي كتاب بل يشعرون بأن القراءة هي كالعقاب الذي يهربون منه قدر المستطاع، ولا يستوقفهم أن السبب الأول في هذا الجفاء بين الابن (أو الابنة) والكتاب سواء كان ورقياً أم إلكترونياً، هم الأهل أنفسهم، فكيف للطفل أن يعشق القراءة إن لم يفتح عينيه على علاقة الحب الأولى بين حاستي السمع واللمس من جهة وكتب الطفولة وقصصها التي تقرأها له أمه (أو والده) بكل حماس ولهفة، وتحرص على مواعيد القراءة يومياً وأكثر من مرة. 
ما الذي تفعله علاقة القراءة الأولى بالطفل؟ تماماً كفعل الغذاء في بدنه وصحته، ومن هذه البدايات الصغيرة اللطيفة تبدأ زهور العقل والخيال بالتفتح، ينمو الفكر ويصبح للطفل عالم يبنيه من هذا الخيال، يكبر معه وفيه، يوسع دائرته كلما اتسعت وتنوعت قراءاته، حتى يصير هو سيد هذا العالم المتحكم بأبطاله، يؤلف القصص ويدون الملاحظات وينتقل إلى مرحلة الإبداع والابتكار. 
الحديث عن القراءة وسحرها ومفعولها ومدى قدرتها على بناء عقول سليمة لأجيال وأجيال، يتجدد اليوم مع تجدد احتفال الإمارات بشهر القراءة تحت شعار «الإمارات تقرأ»، الذي يجسد رؤية الدولة الهادفة إلى بناء أجيال قارئة، وتماشياً مع سياستها الساعية دائماً إلى بناء مستقبل أفضل قائم على الحوار والفكر ونبذ التعصب والتطرف ودعم الثقافة والمعرفة والابتكار، ودعم الشباب وفتح المجالات أمامهم لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم بما يتناسب مع تطلعات الدولة وخططها. 
بناء الفكر السليم يبدأ من التربية السليمة للأبناء، والتي لا بد أن تكون مرهونة بوعي الأهل لأهمية الثقافة والقراءة والكتاب، وزرع النبتة الأولى في صغارهم منذ الولادة تماماً كزرعهم للأخلاق والمبادئ والقيم فيهم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"