الإمارات والسلام الإيجابي

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، أن الهدف من قيام المنظمة بعد حربين كونيتين «الحفاظ على السلام والأمن العالميين». ولم تكتف بالنص بل تبنت المفهوم الإيجابي للسلام بقيام العلاقات الشاملة بين الدول لاستئصال جذور العنف والحروب، ومع ذلك استمرت ظاهرة الحروب والعنف وانتشر الإرهاب لأسباب عديدة. ولا يكفي الحديث عن السلام، بل يجب الإيمان به، والعمل لأجله. وكما قال برتراند راسل: «هل يمكن للحلاق أن يحلق لنفسه إذا كان دائماً يحلق فقط لأولئك الذين لا يحلقون لأنفسهم». وهو ما يعني تجاوز مفهوم السلام السلبي إلى السلام الإيجابي الذي في جوهره قدرة الدولة والمجتمع على امتصاص الأزمات وتطوير آليات للتعامل معها، وأن يكون بمقدور الناس حل نزاعاتهم من دون عنف، ويمكنهم العمل معاً لتحسين نوعية حياتهم. 

 فمنذ ستينات القرن الماضي حاول عدد من المؤلفين التمييز بين السلام السلبي والسلام الإيجابي وأبرزهم هان جالتنوغ، عالم الاجتماع النرويجي الذي عرّف السلام السلبي بأنه غياب العنف المباشر، والسلام الإيجابي غياب العنف اللامباشر بما يمكن الأفراد من التكامل. والسلام الإيجابي يتعلق بالخير والروابط الإنسانية والقيم الإنسانية المشتركة والاحترام المتبادل والمساواة، والشعور القوي بالإنسانية، أي هو حالة حقيقية وموجودة تلمسها الشعوب التي تتبنى هذا المفهوم. والسلام الإيجابي يعني أكثر من غياب العنف، فهو ببساطة وجود العدالة الاجتماعية من خلال تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للسلطة والموارد والحماية المتساوية والإنفاذ المحايد للقانون. 

 والسلام بهذا المعنى له بعد داخلي وآخر خارجي.. وهذا هو المفهوم الذي تتبناه دولة الإمارات في علاقاتها وتبنيها للسلام مع كل الدول والشعوب. فقبل معاهدة السلام مع إسرائيل، والإمارات تتبنى مفهوم السلام الإيجابي في بناء السلام الداخلي على أساس تكافؤ الفرص بين المواطنين والتوزيع العادل للسلطة والمشاركة السياسية والتمكين السياسي لجميع شرائح المجتمع بما فيها شريحة الأطفال. فهي دولة تحتضن أكثر من مائتي جنسية، وما كان لها أن تقوم بذلك وتجمع هذا التنوع الإثني والقيمي إلا من خلال تبنيها للسلام الإيجابي ومعاملة الوافدين كالمواطن في كافة الخدمات والحماية.

 وفي تقرير لمعهد الاقتصاد والسلام ومقره سيدني بعنوان «السلام الإيجابي» يقدم 24 مؤشراً، يؤكد أن السلام الإيجابي يخلق البيئة المثالية لتزدهر الإمكانات البشرية. ويعرّفه بأنه المواقف والمؤسسات والنظم التي تخلق مجتمعات مسالمة وتدعمها، ما يؤدى إلى العديد من النتائج الإيجابية التي يشعر بها المجتمع، مثل القوة الاقتصادية والرفاهية. وفي هذا التقرير جاءت الإمارات في المركز العربي الأول وال37 عالمياً. هذا وقد تم التصنيف على أساس انخفاض درجة العنف والتي تحسب من واحد إلى خمسة، وحصلت الإمارات على درجة 2,2973. كما جاء في شبكة «إن.بي.سي» الإخبارية الأمريكية فإن تصدي الإمارات للهجمات الإرهابية الحوثية قد أظهر قوة الإمارات. وفي السياق ذاته ذكر ديف ديزرو تشيز زميل أول في الشؤون العسكرية لدى جامعة الدفاع الوطني، أن الإمارات واحدة من أفضل دول العالم في مستويات الدفاع. وتمثل الإمارات اليوم نموذجاً للسلام الإيجابي وهو السلام الكفيل بتغيير شكل العالم، ويقفز على العداوات التاريخية، ويؤسس لثقافة السلام المستقبلية. وهذا كفيل باحتواء كل أسباب العنف والحرب واستئصالها من جذورها المجتمعية، وهو مدخل مهم لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بقيام الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال. ويبقى أخيراً أن السلام الإيجابي تضمنته وثيقة مبادئ الخمسين التي تؤسس لسياسة الدولة للخمسين عاماً المقبلة، والتي تقوم على أن السلام والحوار وحسن الجوار هي القيم التي رسخها المؤسسون كما صرح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. وبهذا السلام الإيجابي تتحول الإمارات إلى أيقونة عالمية في معاني السلام والأمن والاستقرار التي عبّرت عنها وجسدتها «وثيقة الأخوة الإنسانية».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"