عقبات «الإبداع»

00:42 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

إلى أي مدى تحث الثقافة العربية على الإبداع؟ أو إلى أي مدى ينظُر منتجو ثقافتنا لأفكار خلاّقة تدفع إلى الإبداع؟ إذا نحن حاولنا الاقتراب من إجابة عن السؤال سنضطر إلى التجوال بين طرفي قوس عريض ومرهق ويحتاج إلى تقارير مؤسسية تتعلق بالتعليم والإعلام والبحث العلمي والحالة التكنولوجية..الخ، وسنجد أنفسنا أمام مفاهيم يتقاطع فيها المعرفي بالثقافي بالعلمي، هذا بالإضافة إلى ما يثيره مفهوم الإبداع نفسه من غموض.

 تبدأ الأزمة في رؤيتنا للإبداع من كثرة استخدامنا للمفردة، حتى باتت مستهلكة، وأصبحنا نوزعها مجاناً على الكتاب والشعراء والفنانين، وبات الجميع يفهمها تلقائياً، والمفارقة أننا عندما نسأل بعضهم عن المعنى والدلالة ستصادفنا تناقضات والتباسات لا نهاية لها.

 ما هو الإبداع على وجه الدقة؟ هل هو الجديد، أم المختلف والمغاير؟ هل هو الوصول إلى النهاية في الصنعة؟ بالمعنى التراثي أم المدهش والخلاب، وفق تعبيرات حداثية، أم الجميل، أم الرافع للذائقة الجمالية والذي يخاطب الوجدان؟ هل هو عدم التقليد، أم نقيض الاتباع؟...الخ، مع ملاحظة أن كل المفردات السابقة التي أوردناها للتعرف إلى الإبداع تختزن أيضاً مجموعة من الدلالات التي تحيل إلى الكثير من المرجعيات الإشكالية بدورها.

 إذا انتقلنا إلى المجالات التي نكثر فيها من توظيف كلمة إبداع، هنا سنجد أيضاً مجموعة أسئلة، لماذا نقتصر في استخدامنا للمفردة على الآداب والفنون، لماذا لا نصف أحد المفكرين أو العلماء ب«المبدع»؟ ولماذا نحصر الكلمة داخل دوائر النخبة؟ فربما يؤدي أحد البسطاء عملاً يبهرنا، ألا يستحق في هذه الحالة وصف المبدع.

 لنضع كل هذه الأسئلة الإشكالية جانباً، ولنحاول التفكير في الإبداع بوصفه قدرة العقل على اكتشاف أفكار جديدة أو التعاطي مع الأفكار القديمة من زوايا نظر جديدة، هنا سنجد أنفسنا أمام أزمتين جديدتين، فاكتشاف الجديد يعني الابتكار، أما معالجة القديم فيحيل مباشرة إلى التجديد، وإذا وضعنا المفردتين على طاولة التحليل، ستعترضنا الأسئلة والإشكاليات نفسها.

ذهب الناقد والمفكر محمد عبد الله الغذامي يوماً إلى أن أحد أبرز العوائق التي واجهت النهضة العربية في العصر الحديث، أننا تعاملنا معها بعقلية «مشعرنة»، تتعاطى مع العالم من حولها بشاعرية حالمة، وأظن أن الوضع نفسه يتكرر مع معظم المفاهيم والمصطلحات في الثقافة العربية الراهنة، ليس هذا وحسب، ولكننا سنلاحظ أيضاً أن تلك «الشعرنة» التي فشلت في التعامل مع النهضة واقعياً، لم تتخل عن حلمها فكررت نفسها في مفاهيم ومصطلحات أبسط من مفهوم النهضة الواسع، وأنتجت ذاتها مرة أخرى في: الابتكار والإبداع والتجديد..الخ، ولكنها بقيت بدورها مصطلحات ومفاهيم فضفاضة عصية على التحديد أو التعريف.

 يبدأ إدراك العالم من اللغة، والكثير من خلافاتنا وصراعاتنا السياسية والفكرية وحتى الأدبية نتيجة لحالة انفلات لغوي نعيشها على المستويات كافة. لماذا نعيش تلك الحالة؟ وما هي مسؤولية التعليم ووسائل الإعلام في ذلك؟ وهل يعود جزء من المشكلة إلى طبيعة اللغة العربية كما يذهب البعض؟..كلها أسئلة تحتاج إلى وقفة صريحة مع النفس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"