أيام تعادل عقوداً

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

في أحد أجزاء يوميات المفكر المغربي المعروف عبدالله العروي التي صدرت تحت عنوان «خواطر الصباح» أشار إلى عودته لقراءة الصحف بعد عامٍ كامل من الانقطاع عن هذه القراءة، لعله كان خلال هذا العام منهمكاً في إنجاز مشروع كتابي ما، اقتضى منه ألا يفرط في وقته وتركيزه بمطالعة ما في الصحف من أخبار بدرجة أساسية.
في وصف شعوره بعد تلك العودة قال العروي: «استئناف قراءة الصحف بعد العزوف عنها طوال سنة، محنة وأي محنة. كما لو خرجت من الكهف بعد عشر سنوات»، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا حدث قبل أن يكون لوسائل التواصل الاجتماعي الحضور الذي لها اليوم، حيث باتت كفيلة بإيصال الأخبار، الحقيقي منها والزائف، إلى كل من بيده «هاتف ذكي».
يعنينا في الأمر أن سنة واحدة من التوقف عن متابعة ما تنشره الصحف من أخبار وتقارير عادلت، بالنسبة له، عشر سنوات، كأنه كان خلالها في الكهف مقطوعاً عن العالم، وفي هذا القول شيء من المجاز بالتأكيد، ولكنه قول يرينا أن في اليوم الواحد تحدث أشياء كثيرة من حولنا، في الوطن الذي نعيش فيه أو في جواره أو في العالم كله، فما بالنا لو جمعنا حصيلة هذه الأخبار في عام، انقطعنا فيه عن متابعتها كما كان عليه حال العروي.
الحديث لا ينحصر في ما تنشره الصحف ووسائل التواصل من أخبار يومية، مهمة كانت أو غير مهمة أو حتى تافهة، وإنما في حقيقة أن أحداثاً بعينها قد لا تستغرق سوى أيام معدودة، قد تعادل في وقعها وتداعياتها عشرات وربما مئات الأحداث التي جرت خلال أعوام أو عقود، فتبدل واقعاً قائماً بواقع جديد، وتؤسس لعالم مختلف كلية، أو في الكثير من أوجهه، عن العالم الذي ساد قبله لعقود أو لقرن أو أكثر.
مثل هذه الأحداث لن تنتظر أن تصل الواحد منا أخبارها عبر أجهزة الإعلام ووسائل التواصل في عالم اليوم، فلها من الوقع والخطورة ما هو قمين بأن يوقظ حتى من هم في الكهوف، إذا ما استعرنا تعبير عبدالله العروي، ولن يجد المرء مهما كان غير معني بسماع أو قراءة الأخبار مفراً من أن يجد نفسه متابعاً لها.
نحن اليوم، وعلى خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا، إزاء لحظة مثل هذه. نقول لحظة لأنها في حكم الزمن كذلك، حتى لو استغرقت أسابيع أو شهوراً أو حتى سنوات، ولكنها ليست ككل اللحظات، فالمؤكد أن العالم الذي سينشأ بعدها سيكون بتفاصيل وتوازنات أخرى غير التي كانت قبلها، بصرف النظر عمن سيكون الرابح فيها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"