قرأت قبل فترة قليلة من الزمن خبراً عن انتحار مذيعة أمريكية، والغريب في الأمر أن جميع أصدقائها والمقربين منها، كانوا في حالة صدمة وذهول، لأنها كانت إحدى الأيقونات المثالية في الحيوية والسعادة والتواصل مع الآخرين، وكل ما كان يظهر لهم وللناس الآخرين، يوحي بأنها لا تعاني مشاكل نفسية أو أية ضغوط في حياتها، قد تؤدي بها إلى الإقدام على الانتحار.
أعتقد أن هناك درساً مهماً لنا جميعاً، في مثل هذا الخبر، ومن المهم فهمه؛ إذ إنه يتعلق بقدرة الإنسان على الظهور بمظهر يختلف تماماً عمّا يجول داخله من مشاعر، فقد نشاهد يومياً أقاربنا والمقربين منا، ونشاهد أنهم في كامل عافيتهم، لكنهم من الداخل يعانون الألم والهم؛ بل إن بعضهم قد يبدو بمظهر قوي متماسك، والحقيقة أنه هش من الداخل تماماً.
مصاعب الحياة وعقباتها متعددة وكثيرة، وخلال جائحة «كوفيد- 19»، عانى العالم بأسره تبعاتها، فضلاً عن الضحايا الذين توفاهم الله بسببها، أو الذين قضوا في المستشفيات لأيام طويلة، لتلقي العلاج، هذا على الجانب الصحي، وهناك جانب اجتماعي واقتصادي، فالكثير تعرضوا للفصل من وظائف، والكثير تعطلت مشاريعهم، وتوقفت تماماً، مما كبدهم خسائر مالية فادحة، فضلاً عن القلق والتوتر المصاحب لهذه الجائحة، إحدى الشركات الأمريكية المتخصصة، وهي شركة مجموعة بينيسون، قامت بإجراء استطلاع رأي حول تأثير «كورونا» في الصحة النفسية، وفي هذا الاستطلاع قال 55% من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم: إن «كورونا» أثر في صحتهم النفسية بشكل مباشر.
بعض الناس يفضلون الاحتفاظ بمشاعرهم بداخلهم، هذا النوع محبوب، ونفضل التعرف إليه، لأن رفقته خالية من السلبية، وكل ما ينعكس منه السعادة والإلهام والإيجابية، لكن قد نصدم عندما نعرف أن هذه النوعية تحديداً أكثر من يتأذى، وأكثر من يتعرضون للجروح النفسية. توجد مقولة شهيرة وهي: «تفقدوا أصدقاءكم الأقوياء» أولئك الذين نعتقد أنهم دوماً في أفضل حالاتهم، والذين لا يتحدثون عمّا في مكنوناتهم، ولا نرى فيهم سوى الإيجابية والسعادة، نحن لا ندرك كمْ يشعر أصحاب هذه الخصال بالوحدة أو الألم أحياناً، قد تكون صفة الكتمان والإيجابية وإظهار السعادة، من الخصال الحميدة والجيدة، نحبها ونحب أن نراها فيهم، ونعدها ميزة لهم، لكنها بلا شك تعد سلوكاً غير صحي.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com