عادي

راغب عياد فنان البساطة الماكرة

23:38 مساء
قراءة 3 دقائق
غلاف

القاهرة «الخليج»:

كان جيل الرواد – فيما عدا محمود مختار – ينسجون على منوال المعايير الفنية التقليدية، التي كانت شائعة في أوروبا في مطلع القرن ال 20 كما كانت خاماتهم في التلوين لا تخرج عن الباستيل والألوان الزيتية والمائية، وهذا لا يعيبهم، فالخامات وإن كانت تقليدية أو بسيطة، استطاع الفنان راغب عياد من خلالها أن يصنع فناً، لا نستطيع أن نقيّمه بقيم المدارس الفنية، التي سادت في أوروبا.

وإذا كان الفنان قد أخذ عن الحضارة الغربية بعض الأساليب الفنية، فإنه قام بتطويرها حتى إنها أصبحت أسلوباً فنياً جديداً، نجده مختلفاً عند مقارنته بما سبقه من مدارس؛ لأنه أضاف إليها، فنحن لا نستطيع أن نبقي الفن حبيس نطاق جغرافي ما، كما أنه من الطبيعي أن الحضارات تتأثر وتأخذ عن بعضها، وكذلك الفن، لكن يبقى: هل أنتج ذلك التأثر شيئاً جديداً أم أنه ظل يدور في فلك القديم دون إضافة؟

على أيدي جيل الرواد تكونت أول جماعة فنية في مصر «جماعة الخيال» التي ضمت عدداً كبيراً من الفنانين، منهم محمود مختار وراغب عياد ومحمود سعيد، وفي عام 1929 أقامت الجماعة معرضها الأول والأخير، وضم المعرض أعمال عدد من الفنانين ومنهم راغب عياد، ونتيجة لسفر المثال محمود مختار إلى باريس ليعد لمعرضه الأول، انفض شمل الجماعة، التي كان لها دور في نشر الوعي الفني، وإيجاد جمهور قادر على تذوق الفنون الجميلة، دون أن تكون لديه ارتباطات وظيفية أو مادية بها.

تعبيرية اجتماعية

تأتي أهمية راغب عياد في أنه استطاع أن ينفض عن التعبيرية ذاتيتها، لتصبح تعبيرية اجتماعية، تتميز عن الأنماط التي سادت في أوروبا آنذاك، (وهذا ما يكشف عنه الناقد أحمد عبد الفتاح في كتابه «الفنان راغب عياد رائد التعبيرية الاجتماعية»)، وهو الأمر الذي كان يشغل ذهن أفراد الجيل الأول من خريجي مدرسة الفنون الجميلة بمصر، وهو أن يجدوا أنماطاً جديدة من التعبير يتميزون بها، ليجدوا لهم مكاناً في تاريخ الفن الحديث.

لم يشأ راغب عياد أن تقف أعماله عند حدود النقد الاجتماعي فحسب، بل أراد لها أن تسجل تلك المسحة من المرح والسعادة التي تنتاب الإنسان، وهو يؤدي عمله، وكثيراً ما نجد شخوصه مبهمة الملامح أو مشوهة، غير واضحة، ومختزلة في خطوط سريعة، ويغلب عليها نوع من السخرية، الأمر الذي يجعل البعض يضعها في مصاف الأعمال الكاريكاتيرية.

الرسم التأمل

كان راغب عياد – كما يؤكد عبد الفتاح - من أول الفنانين الذين لمسوا مشكلة التفرغ، فالفنان الذي يريد أن يستثمر كل دقيقة من عمره في الفن، يريد أن يقرأ ويرسم ويتأمل، ويجرب الأساليب الفنية المختلفة، وأن يشعر بالاستقرار، دون أن يحول حائل بينه وبين الفن، فيضطر إلى أن يلجأ إلى عمل آخر بجانب اشتغاله بالفن، وهو الأمر الذي يبعده لساعات طويلة من اليوم عن فنه، حتى يستطيع أن يوفر المال اللازم له ولأسرته، ويهدر عمره في إحدى الوظائف لحكومية.

هذا الأمر أدركته دول غربية وآسيوية في ذلك الوقت، ما جعلها تبتكر أساليب تحقق للفنان تفرغه الكامل بالاعتماد على الميزانية المخصصة للحكومة، وبدعم من بعض الأثرياء الذين يهمهم أمر الفنون التشكيلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"