عادي

عذب الكلام

23:10 مساء
قراءة 3 دقائق
2004

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

حُسْنُ التّعليلِ في البَلاغة: أن يُنْكِر الأديبُ، صَراحةً أو ضِمْناً، علّةَ الشّيء الْمَعْروفةَ، ويأتي بعلّةٍ أخْرى أدبيّةٍ طريفةٍ، ومُشتَملةٍ على دقّة النَّظر، وتُناسبُ غَرضهُ؛ يقول أبو الطيّب:

ألَسْتَ ابنَ الأُلى سَعِدوا وسَادوا

ولَمْ يَلِدوا امْرأً إلّا نَجيبا

وما رِيحُ الرّياضِ لَها ولَكِنْ

كَساها دَفْنُهُمْ في التُّرْبِ طِيبا

يرى انتشار روائحَ الطّيب في أرْض الْمَمْدوح، لأنّها تَحْوي رُفاتَ أجْدادِه.

وقالَ المَعرّي في الرثاء:

وَمَا كُلْفَةُ الْبَدْر الْمُنِيرِ قَدِيمَةً

وَلَكِنَّهَا فِي وَجْههِ أَثَرُ اللَّطم

يَقْصدُ أنّ الْحُزنَ على «المَرْثيّ» شَملَ كثيراً منْ مظاهر الكون؛ وكُلْفةُ البَدْر (الكُدْرة) ليست طبيعيةً، وإنّما نَتجت من «أثَرِ اللَّطمِ على فِراقه».

دُرر النّظم والنّثر

من كتاب «جواهر الأدب»

مَنْ بَسَطَ يَدِهِ بِالْجُودِ، خَرَجَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ. مَنْ عَلَا عِلْمُ شِيمَتِهِ، غَلَا مِقْدَارُ قِيمَته، اُسْتُرْ بِرّاً يَظْهَرُ مِنْ يَدِيْكَ، وَانْشَرْ مَعْرُوفاً يُسْدَى إِلَيْكَ.

مَنْ أَحْسَن إِلَى جَارِهِ أَطلعَ قَمَرَ الْحَمْدِ فِي دَارِه، وَمَنْ جَادَ لِطَلَبِ الْجَزَاءِ فَلَيْسَ بِكَرِيمِ، وَمَنْ صَفْحَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فَلَيْسَ بِحَلِيمٍ. أَحْسَنُ الْخُلقِ مَا حَثَّكَ عَلَى الْمَكَارِمِ، وَأَوْضَعُ الطُّرُقِ مَا كَفِّكَ عَنِ الْمَحَارِمِ.

عَيٌّ تَسْلَمُ بِمَيْلِكَ إِلَيْهِ، خَيْرٌ مِنْ نُطْقٍ تَنَدَمُ عَلَيْهِ. مَنْ قَلَّ عَقْلُهُ كَثُرَ قَوْلُهُ، وَمِنْ زَكَا أَصْلُه تَوَاتَرَ طَوْلُه. تَوَقَّ جِنَايَةَ اللِّسَانِ، وَلَا تَأْمَنْ سَطْوَاتِ الزَّمَانِ، وَاِسْتَعِذْ مِنْ شَرِّ أَفْعَى أَفْعَالِك، وتحَلَّ بالصِّدْقِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِك.

الصِّدْقُ يُورِثُ قَائِلِيهُ مَهَابَةً

سِرْ نَحْوَهُ نِعْمَ الطَّرِيقُ طَرِيقَهُ

وَاِحْفَظْ بِهِ عَهْدَ الصِّحَابِ فَإِنَّهُ

مَنْ قَلَّ مِنْهُ الصِّدْقَ قَلَّ صَدِيقُهُ

لَا تَعُجْ عَنْ سَبِيلِ الصَّوَابِ، وَلُذْ بِجَنَابِ رَبِّ الْأرْبَابِ.

من أسرار العربية

بَعْضُ الكلماتِ ذاتُ جَذْرٍ واحدٍ، لَكنّها بِمعانٍ مُختلفة، بحسب السياق؛ منها «عبر». عَبَرَ الرُّؤيا يَعْبُرُها عَبْراً وعِبارةً وعبَّرها: فَسَّرها وأَخْبرَ بِما يؤولُ إِلَيْهِ أَمْرُها. وعَبَرْتُ النّهْرَ والطّريقَ أَعْبُره عَبْراً وعُبوراً إِذا قَطَعْتُهُ. وعَبَّر عمَّا في نفسه: أَعْرَبَ وبَيّن. وعَبَر الكِتابَ يَعْبُره عَبْراً: تدبَّره في نفسه. والعِبْرَةُ الْعَجَبُ. واعْتَبَر مِنْهُ: تَعَجّب. والعِبَرُ: جمعُ عِبْرة، وهي كالمَوْعِظة. والعَبْرة الدَّمْعة، وقيل: أَن يَنْهَمِلَ الدَّمْعُ ولا يُسْمَعُ الْبُكاءُ.

قال امْرؤ القيس:

وإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهْرَاقةٌ

فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ

هفوة وتصويب

كثُر يقولون «تَمَعّن في الأمر»، بمعنى دقّق. والأصوب «أَمْعَنَ في الأمْر»

فمعنى «تَمَعَّنَ»: تَصاغر وتذلّلَ انْقياداً. و«أمْعَن»: جَدّ وأبْعَدَ وبالَغَ. و«أَمْعَنْتُمْ في كذا» أَي بالغتم.

قال عنترة:

ومُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزَالَه

لا مُمْعِنٍ هَرَباً ولا مُسْتَسْلِم

وتَردُ كثيراً مثل هذه العبارة «النّصّ مَليءٌ بالأخْطاء»، وهي خطأ، والصواب «مَمْلوءٌ أو ملآن أو ممتلئ، والمؤنّث مَمْلوءة وملأى». أمّا مَليء، فهي من مَلُؤَ يَمْلُؤُ مَلاءة، فهو مَلِيءٌ: أَي ثِقةٌ، أو غَنِيٌّ. أما مَلأَ الشيءَ يَمْلَؤُه مَلأً، فهو مَمْلُوءٌ، ومَلأَه فامْتَلأَ. وإِناءٌ مَلآنُ، وكَأسٌ مَلأَى ومَلآنةٌ، والجمع مِلاءٌ. وَالْمَلَأُ، مَهْمُوزٌ: الْخُلُقُ. قال الجهنيّ:

تَنَادَوْا يَا لَبُهْثَةَ، إِذْ رَأَوْنَا

فَقُلْنَا: أَحْسِنِي مَلَأً جُهَيْنَا

من حكم العرب

صَلَاحُ أَمْرِكَ لِلأَخْلاَقِ مَرْجِعُهُ

فَقَوِّمِ النَّفْسَ بِالأَخْلَاقِ تَسْتَقِمِ

وَالنَّفْسُ مِنْ خَيْرِهَا فِي خَيْرِ عَافِيَةٍ

وَالنَّفْسُ مِنْ شَرِّهَا فِي مَرْتَعٍ وَخِمِ

البيتان لأحمد شوقي، يشدّد فيهما على أنّ صلاحَ المرءِ واستقامةَ أمورِه في الحياةِ، العملُ على ترقيةِ أخْلاقهِ وسلوكِ الطّريقِ القَويمِ، فالنّفسُ الخيّرةُ لا تجد إلّا الخير، والنفس السيّئة لا تلقى إلّا الهوان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"