عادي
قصص وحكايات في مختلف الحضارات

الخبز.. ثمرة يد الإنسان المباركة

23:25 مساء
قراءة 3 دقائق
7

ترجع نشأة الخبز إلى قديم الأزل، فأسماؤه الأولى وجدت منقوشة بلغات عدة على ألواح مصنوعة من الطين، وربما كانت طوبة البناء هي ما أوحى لأول صانع للخبز بشكل الرغيف، ففي ذاكرة الشعوب يصنع الطوب اللبن من الطين باستخدام النار، فيما يشبه طريقة صناعة الخبز.

لا أحد يعرف متى أو أين نبتت أول سنبلة من الحبوب، لكن لابد أن مظهرها قد جذب الانتباه وأثار الفضول، ويمكن العثور على آثار الحبوب الأولى في عدة قارات، ففي العصور القديمة ازدهرت تلك الحبوب في سهول الهلال الخصيب، يقول الشاعر الألماني هولدرلين: «الخبز هو ثمرة الأرض التي يباركها النور».

كانت مصر – كما يؤكد بريدراج ما تفليجيتفيتش في كتابه «الخبز.. الأهمية الثقافية والرمزية لدى حضارات العالم المختلفة» - هي أول من زرع الحبوب في الشرق الأوسط، لكن اكتشفت بذور متفحمة في الأجزاء الغربية من الصحراء الإفريقية، في حفر تملؤها النار، حفر لإشعال النار عمرها 8 آلاف عام وذلك دليل على أن شخصاً ما مارس الزراعة والحصاد.

أصول

يوضح الكتاب الذي ترجمته إلى العربية ندى نادر، أن أصول الخبز تعود إلى الوقت الذي أصبح فيه البدو مستوطنين، وعمل الجميع بالزراعة، فانتقل البعض من أرض إلى أرض، ومن مرعى إلى آخر، في حين نظف آخرون الأرض وعملوا بها، فالبدو تميل حياتهم إلى المغامرة، في حين تتطلب حياة المستوطن الصبر والاستقرار، وتلك الرسومات الجدارية المكتشفة على الكهوف التي سكنها البدو من قبل غالباً ما تصور خطوطاً طويلة أو مكسورة تأتي من مكان مجهول وتؤدي إلى مجهول آخر، في حين أن الرسومات التي رسمها المزارعون تميل إلى أن تكون أكثر استدارة، وأكثر تحديداً، مع وجود مركز واضح.

يشير الكتاب إلى أن عملية الزراعة والحصاد أدت إلى تقسيم الوقت إلى أجزاء، والسنة إلى شهور، ثم إلى أسابيع وأيام، وقصرت الطرق المنشأة المسافات بين الأماكن، وبنيت الأكواخ في الوديان، وبنيت مناطق سكنية ذات كثافة عالية بجوار الأنهار، وغير حفر الأخاديد مظهر الحقول، وسمح لسنابل الحبوب بتغطية الأرض وتغيير المشهد بمرور الأجيال.

تذكر قصيدة جلجامش الملحمية المكتوبة بالخط المسماري قرابة عام 1800 قبل الميلاد، الخبز الذي أكله البطل «أنكيدو» وهو صياد ماهر اعتاد أكل الطرائد، فذلك الرجل الجبلي الذي أكل العشب مع الغزلان، وامتص حليب الوحوش، تفاجأ عندما تذوق الخبز أول مرة، فالرحلة من أكل الحبوب النيئة إلى الحبوب المطبوخة طويلة جداً، وكان الرجل الذي يصنع الخبز مختلفاً عن أسلافه، فقد وجد نفسه يقف على أعتاب التاريخ.

وكان تقسيم العمل ضرورة حتمية منذ القدم، فكان الرجل يعمل في الحقل، والمرأة تعمل في الحديقة، هو يزرع ويحصد، وهي تعجن وتخبز، ورد في «الإلياذة» أن «النساء استخدمن الكثير من الدقيق الأبيض لإعداد وجبة للعمال، وفي «الأوديسة» يؤكد الشاعر الفرق بين أولئك الذين يأكلون الخبز وأولئك الذين يأكلون اللوتس، ويقصد بهم البرابرة الذين لا يستطيعون التحدث بشكل لائق، على حد تعبير المؤلف.

تقاليد

الخبز أيضاً موجود في التقليد اللاتيني في النثر والشعر، في«الإليادة» يمد فرجيل يده لمن يجلب الخبز لأطفاله، والخبز يمكن أن يكون سبباً للتبعية أو العبودية أو الرفاهية، ويستخدم الفيلسوف سينيكا الحكاية ليصور عملية صنع الخبز، وفي الأزمنة الحديثة وصف الخبز وتم تمجيده في أعمال عديدة، يقول دانتي في «المأدبة»: «طوبى للقلة الذين يجلسون على تلك المائدة حيث يؤكل خبز الملائكة»، ثم إنه لا ينسى تجربة المنفى، ولا حتى عند الاقتراب من أبواب الجنة: «سوف تتعلم مدى ملوحة طعم خبز الرجال الآخرين».

ولم يغفل الأدب الإنجليزي الخبز خاصة مع شكسبير، فقد تذوق ريتشارد الثاني «الخبز المر» كما انتهز الكاتب المسرحي العظيم كل فرصة للسخرية من «فكاهة الخبز والجبن»، وبالنسبة إلى تينيسون فالخبز هو ضمان الحقيقة: «أنا أقول الحق كما أعيش بالخبز»، وحذر بيكون مواطنيه: «لا تلمسوا خبز اللصوص»، ووحيداً على جزيرة صحراوية أدرك روبنسون كروزو: «لم أكن أعرف كيف أطحن أو أحضر وجبة من الذرة، ولا كيف أصنع الخبز منها إذا حولت إلى وجبة».

إن قصص الخبز مبعثرة كالحبوب عبر الزمان، والمكان، عبر البلدان والشعوب، في الحياة اليومية، يكشف عن نفسه في الشعر والرسم، إنه حاضر عند الحلم والاستيقاظ، نحمله داخل أنفسنا..نعرفه وننساه في الوقت نفسه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"