حرج الثقافة في الحروب

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تذكر تلك القصة الطريفة عن القطط، وحوار الأمير مع مستشاره الحكيم في شأن: أيّما الغالب، الطبع أم التطبّع؟ (لا تقل: أيّهما). قال الأمير: لقد غيّرتُ طباع القطط، جعلتها تحمل الشموع على رؤوسها في مجلسي وترقص، فأصرّ الحكيم على أن طبعها هو الغالب، فأمر الأمير بتنظيم عرض باهر، وأحضر الحكيم فأراً في كمّه، وما إن تألقت القطط في العرض حتى أطلق الحكيم الفأر، فقفزت الهررة تطارده فسادت الفوضى، ونشب حريق في بعض المتاع.
الصورة الكاريكاتورية ليست دراسة علميّة، لكنها تشبه ما قاله الفيلسوف البريطاني برتراند راسل عن الفلسفة: «إنها لا تحلّ لك المشكلة، لكنها تجعلك تراها على نحو أكبر». ذلك المشهد القططي يصوّر عجائب الهبوط المفاجئ في المعايير والقيم لدى مستويات عدّة في البلدان الغربية، إزاء أمور أثارتها الحرب في أوكرانيا.
جرّ وسائط الإعلام، أو انجرارها إلى جبهات المواجهات، يبدو هيّناً ولا يستوجب الذهاب بعيداً فكريّاً. أمّا انجراف القيم الثقافيّة، بحيث يقصى عمالقة الآداب والفنون، من ساحات التدريس والعرض، فلا شك في أن الموازين الفكرية والثقافية فقدت توازنها. الرياضة ميدان مختلف، وقد يكون تجنّب المباريات والمنازلات أحوط الإجراءات، تحاشياً لردود الفعل الغاضبة المنفلتة، من قبل المتبارين أو المشجعين المنتمين إلى فريقين متقابلين متخاصمين، غير أن الأمور لا تبدو سهلة هيّنة في المعايير الثقافية.
يمكن أن نتخيّل حظر تدريس الحائز على نوبل للآداب، ألكسندر سولجنيتسين صاحب «أرخبيل الجولاج»؟ لقد كان أشهر معارضي الاتحاد السوفييتي، لكن الضربة تلقاها في جامعة إيطالية أروع الروائيين الروس دوستويفسكي. وماذا عن المؤلف الموسيقي الذي وقف شوكة في حلق جوزيف ستالين، بسيمفونياته الشهيرة، ديمتري شوستاكوفيتش؟
ثمة مواقف حرجة إلى أبعد الحدود، لكونها تضع على طاولة الخيارات خياراً واحداً: إمّا معنا أو ضدّنا. هكذا كان الموقف مع آنّا نيتريبكو، أشهر «سوبرانو» في تاريخ «متروبوليتان أوبرا» في نيويورك، لعلاقتها بالرئيس بوتين، هي آثرت الانسحاب من عروض موسمها المقبل. في مثل هذا المشهد، موقف قائد الأوركسترا في سانت بترسبورج وميونيخ، فاليري جرجييف، الذي ألغيت عروضه لما يربطه بالرئيس الروسي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الغريزية: يبدو أن البشر جميعاً تتحرك فيهم جينات قططية، حين يفاجأون بفئران الظروف التي تجعل منظومة القيم الثقافية أموراً لا شأن لها في ميزان القوى الغريزية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"