نحن والآخرون والمتاهة

00:56 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السناوي

تحت وطأة الأزمة الأوكرانية وتداعياتها المحتملة، يجد العالم نفسه مندفعاً إلى ما يشبه المتاهة، البوصلات شبه معطلة والرهانات معلقة على مجهول. أين نقف وكيف نتصرف؟

 هذا السؤال اعترض دبلوماسيتنا في الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي نظرت قرار إدانة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا بعدما فشل مجلس الأمن في استصداره بقوة الفيتو.

 تساعد مداخلات وأجواء واتجاهات التصويت في فهم ما جرى، وما قد يجري من تفاعلات وتحولات في بنية النظام الدولي المأزوم.

 بظاهر الأرقام، لقيت موسكو هزيمة دبلوماسية لا سبيل إلى التقليل من أثرها الفادح في صورتها، رغم أن القرار بذاته غير ملزم، حيث وافقت (141) دولة على الإدانة مقابل (5) دول، فيما امتنعت (35) دولة عن التصويت.

 وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» عزا تلك الهزيمة الدبلوماسية إلى حجم الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة وحلفاؤها بالترهيب والابتزاز.

 هذه نصف الحقيقة، النصف الآخر أن روسيا فشلت على نحو ذريع في أن تحشد الدول القريبة منها بالتاريخ أو بالمصالح، التي يفترض أنها حليفة، أو مستعدة لتفهم روايتها للأزمة وأسبابها الأمنية.

 إذا ما استثنينا روسيا نفسها مع حليفتها بيلاروسيا المتهمة بالضلوع معها في نص القرار الأممي، فإن الذين صوتوا ب«لا» ثلاث دول: سوريا وكوريا الشمالية وإريتريا!

بالنظر في قائمة الدول التي امتنعت عن التصويت فإنها تضم أكبر دولتين آسيويتين، الصين والهند بكل ثقلهما الاقتصادي والبشري.

 امتناعهما عن التصويت فيه درجة من التفهم للأسباب الروسية، دون استعداد للقفز إلى تحالف قبل استكمال مقوماته، خشية أي عواقب وخيمة على مصالحهما الاقتصادية والاستراتيجية.

 في توجهات التصويت بدا العالم الثالث بلا عمود فقري سياسي قادر على تحمل أية ضغوط قبل اتخاذ قرار مستقل.

 قائمة الذين امتنعوا عن التصويت ضمت كتلة يعتد بها من القارة الإفريقية، بينها دول لم يكن متصوراً أن تصوت على هذا النحو مثل إفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية ومدغشقر ومالي ونامبيا.

 كان لافتاً أن دولة كباكستان تربطها علاقات صداقة وتحالف مع الغرب منذ استقلالها امتنعت عن التصويت، فيما بدا أنه نزوع للخروج عن السرب الأمريكي واحتذاء بالجارة اللدودة الهند، لكن لأسباب أخرى تستحق الإجلاء في عالم مضطرب في مواقفه وحساباته.

 كما كان لافتاً أن إيران، التي بدت أكثر تأهباً واستعداداً للدخول بأي تحالف يضمها إلى روسيا والصين، احتذت بالموقف الصيني في عدم التصويت خشية أية أضرار تلحق بها في «مباحثات فيينا» لإحياء الاتفاق النووي معها.

 هكذا وجدت الدبلوماسية المصرية نفسها داخل متاهة الحسابات المتعارضة. أين تقف بالضبط؟ أو كيف تتصرف؟

 الأمريكيون والأوروبيون يضغطون عبر قنوات عديدة، قبل أن يتجاوزوا كل أعراف العمل الدبلوماسي بصورة غير مسبوقة! لم تكن القضية في استكشاف أين تقف القاهرة، ولا في الاتصال معها بشأن التنسيق في المواقف.

الجديد والمثير أن الأمور أفلتت مما هو طبيعي إلى ما هو غير طبيعي باجتماع مجموعة سفراء الدول السبع الكبرى في القاهرة واستصدار بيان يطلبون فيه من كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إدانة جماعية لما يحدث في الحرب الروسية الأوكرانية.

«ليس هناك دولة في العالم تستطيع أن تقبل المساس بسيادة الآخرين لمجرد أن جارها الأقوى يريد ذلك».

 لم تكن لتلك الإشارة أية قيمة وصدقية بالنظر إلى مواقف هذه الدول بالذات إلى قضايا الشرق الأوسط المستباح في أمنه ووجوده. تبدت في البيان إشارتان خطيرتان كأنهما تهديدان أحدهما أمني واستراتيجي والآخر اقتصادي وسياحي.

*الأولى: «إن محاولة روسيا زعزعة استقرار النظام الدولي سوف يكون لها صدى أيضاً على منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بما في ذلك مصر».

*والثانية: «إن العدوان الروسي يعني ارتفاع أسعار القمح والسلع الغذائية في مصر وإفريقيا».. فضلاً عن أنه: «سوف يتعذر على ملايين السائحين الأوكرانيين... القدوم إلى مصر، الأمر الذي يتسبب في ضرر مباشر لقطاع صناعة السياحة».

 في محاولة للإفلات من الضغوط المتصاعدة، التي شملت دول العالم بلا استثناء، دعت القاهرة إلى اجتماع للجامعة العربية.

 في تصويت الأمم المتحدة امتنعت ثلاث دول عربية هي الجزائر والعراق والسودان فيما وافقت الدول العربية الأخرى.

اللافت في أداء الدبلوماسية المصرية الحيرة التي شابت حركتها، صوتت ب«نعم»، أفاضت كلمة مندوبها في ذكر الأسباب التي دعتها لاتخاذ هذا الموقف، قبل أن تعود لتخفيف أية آثار سلبية محتملة إلى تبني موقف آخر ترجمته المفترضة: «الامتناع عن التصويت».

أهم ما جاء في إيضاح الخارجية المصرية: «أنه لا ينبغي غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة»، فيما يعني نوعاً من التفهم للمخاوف الأمنية الروسية وشرعيتها. وأقوى ما فيه: «رفض توظيف منهج العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة، التي كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة وما أفضت إليه من تفاقم ومعاناة المدنيين طوال العقود الماضية». وهو اعتراض صريح من حيث المبدأ على الحصار المفروض على روسيا.

كان ذلك تصحيحاً وضبطاً للمواقف خارج قاعة الجمعية العامة، لكنه ضروري وصحيح ويدعو بمنطقه وظروفه وملابساته لإعادة هيكلة السياسة الخارجية المصرية في لحظة تحولات عاصفة يقال فيها عن حق إن الأسوأ في الأزمة الأوكرانية لم يأت بعد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"