عادي

مدوّنة المرأة

22:27 مساء
قراءة 5 دقائق
2401

استطلاع: نجاة الفارس

أين ذهب مصطلح الأدب النسوي؟ ولماذا خفت بريقه بعد فترة كان حديث الساحة الثقافية والأدبية؟ يؤكد عدد من النقاد والكتاب أن الأدب النسوي أو الكتابة النسوية تعني تلك المدونة المكتوبة من عطاء إبداعي يعبّر عن المرأة ودورها، فضلاً عن انفتاح اللغة الأدبية التي توظفها المرأة المبدعة على خاصية التجربة النسوية، موضحين أن سبب خفوت بريق هذا المصطلح أنه نشأ في ظروف خاصة، وانتسب إليه البعض، وتحفّظ البعض الآخر عليه، وتجاهله آخرون.

تقول الكاتبة والناقدة مريم الهاشمي: «كانت ستينات القرن العشرين مرحلة رئيسية في استقبال النقد النسوي، وأسهمت مدونات كل من الرجل والمرأة في خلق تباين الرؤى حول الكتابة لكليهما، ما أسفر عن بروز المصطلح أو المفهوم تجاه ما تنجزه المرأة من كتابة أو إبداع، حتى وصل تداخلت مفاهيم الأدب النسوي، والأدب النسائي، وأدب المرأة، وفي الوقت ذاته بيّن بعض النقاد أن الكتابة النسوية مرت بمراحل ثلاث، هي مرحلة المحاكاة للأشكال الأدبية، والتي أطلق عليها اسم (المؤنثة) ومرحلة الاعتراض على المعايير والقيم، وأطلقت عليها (النسوية)، ومرحلة اكتشاف الذات، وهي مرحلة (الأنثوية)، وعلينا الالتفات إلى: كم من امرأة عززت الخطاب الذكوري إما بأشعارها أو كتاباتها، كما أن للرجال دوراً أو أدواراً في تأنيث الخطاب اللغوي الإبداعي، وأضحى الأدباء والأديبات اليوم يدركون أن لا قيمة لهذا المصطلح في تقويم أو تقييم النتاج الأدبي، لأن النص الأدبي بناء فني ينهض استناداً إلى الموهبة والخبرة والمعرفة والقدرة اللغوية، وليس لجنس الكاتب، أو كاتبته».

تعريفات متعددة

الشاعر ناصر البكر الزعابي، يقول: «الأدب النسوي بتعريفاته المتعددة مصطلح قديم متفرّع، هناك من يرى أنه يعبّر عن حقوق المرأة، وهناك من اعتبره جزءاً لا يتجزّأ من الأدب، عموماً، لا يمكن اختيار وصف دقيق لهذا المصطلح لأن هناك اختلافات واضحة في نظرة النقّاد والقرّاء، وحتى الكاتبات في تعريف واختيار المسمّى، وهو في البداية والنهاية مجرد مصطلح لا يقدّم ولا يؤخر كثيراً، فإبداعات المرأة عموماً مستمرة ومتواصلة وليست بحاجة إلى هذا التخصيص الغريب، فالأهم هو جودة المحتوى وأهمية الطرح بدلاً من مواضيع مكرّرة لا تضيف شيئاً إلى المكتبة العربية».

ويضيف: «أظن أيضاً أنه يعبّر عن تصنيف غير دقيق، و لا يغيّر شيئاً في موازين الإبداع، لقد مرّت الكثير من المصطلحات الرنّانة لكنها اندثرت بعد فترة من الزمن، لأنها لم تقم على أساس حقيقي، وربما كانت موجة التغريب والتجريب سبباً في ظهور هذه المصطلحات المؤقتة، صحيح أنه لم يكن يقتصر على النساء فحسب، فهناك كتّاب دافعوا عن المرأة وناصروا قضاياها، ولا يزال هناك عدة إشكالات معاصرة يتناولها الكتّاب بين حين وآخر، فالمرأة نبض المجتمع، وقضاياها هي قضايا مجتمعها، ولا يمكن فصلها عن الواقع، لذا فإن هذا التصنيف غير صحيح في المجمل، الأغرب أن هناك من يدافع عن المصطلح أكثر من دفاعه عن هموم وشجون المرأة المعاصرة».

وصاية

الدكتور محمد عيسى الحوراني ناقد وأكاديمي، يقول: «قبل أن يكون الأدب ذكورياً أو نسوياً، كان ولا يزال يعبر عن حالة إنسانية عامة، لا تقوم على أساس الجنس، وإنما تنبري للتعبير عن الوجدان الإنساني عامة، ومن هنا سجل التاريخ البشري لدى مختلف الأمم وعلى مر الزمن نتاجاً أدبياً للمرأة، كما هو للرجل، وأن غلب الأدب الذكوري كمّاً ونوعاً، كما هو الحال في تراثنا، على أن مصطلح الأدب النسوي الذي أثار كثيراً من الجدل في العصر الحديث اقتضى وجود الرجل الذي ظل مسيطراً بكونه مركزاً، بالرغم من وجود أسماء أدبية نسوية حلقت في عالم الأدب، وأثبتن أن المهم في الأدب جودته بغض النظر عن جنس مبدعه».

ويتابع: «بيد أن الكثيرين يرفضون المصطلح برمته، فالأدب هو الأدب، وإبراز المصطلح يقتضي الاختلاف والمغايرة، وكأن هناك صراعاً بين قطبين، ومن هنا وجدنا فئة أخرى تجرّد الأدب النسوي من مشروعيته، وهذه الفئة تبقي الوصاية على الأدب رهينة للذكور، لكن كثيراً من الأديبات كسرن تلك التابوهات وتلك الحواجز، وقدّمن أدباً خالداً، ما جعل فئة ثالثة تنهض بالمصطلح، وتقر بخصوصيات ومزايا أفردت لهذا الأدب أحقية في الوجود والإبداع. وبالعودة إلى تراثنا الأدبي والشعري على وجه الخصوص، نرى أغلبية كبيرة للشعراء الذكور، مع أننا نجد المرأة ذاتها موضوعاً مهماً في جلّ أشعارهم، ولكن ذلك لم يعدم وجود شاعرات كبيرات على مر العصور، وما دار بين النابغة والخنساء في سوق عكاظ في العصر الجاهلي يؤكد ذلك، إذ قال لها بعد أن سمع شعرها: لولا أن أبا بصير (يقصد الأعشى)، سبقك لقلت أنك أشعر من في السوق، وهذا إقرار من ناقد كبير آنذاك بتفوق المرأة الشاعرة ونبوغها، ومنافستها للرجل في المحافل النقدية، بقي أن أقول: إن المرأة كانت ملهمة للرجل، فكانت موضوعاً مفجّرا لطاقات إبداعه ما جعله يبقى في المركز، بينما بقي الأدب النسوي يختط موضوعاته في الهامش، وهو يرزح تحت نير الوصاية الثقافية والفكرية والعرفية، ومع ذلك هناك العديد من الأصوات النسوية الأدبية التي خطت طريقاً واضح المعالم لهذا اللون من الأدب».

ثلاثة مواقف

الدكتور أحمد عبدالمنعم عقيلي، ناقد وأكاديمي، يقول: «يجد الباحث والمهتم بالحركة الثقافية الأنثوية أن المعادل الموضوعي لهذه الحركة وما ينتج عنها من إبداعات أدبية هو مصطلح الأدب النسوي، ولعل بدايات هذا المصطلح تعود إلى النصف الثاني من القرن العشرين، حيث لعبت الصحافة الأدبية والإعلام المرئي دوراً بارزاً في إظهاره وتسليط الضوء عليه، وكانت دلالته مرتبطة بالأدب الذي تكتبه المرأة، والنتاج الإبداعي الذي تجود به قريحتها، ولكن نظرة كثير من المثقفين لهذا المصطلح كانت أحادية الجانب في عمومها، حيث وضعت النتاج النسوي في مقابل النتاج الذكوري، وفي هذه الرؤية مبالغة غير مقبولة، لأن النتاج الإبداعي نتاج إنساني لا يقتصر على جنس من دون آخر.

ويلفت عقيلي إلى أننا لو أردنا تتبع مواقف الأنثى نفسها من هذا المصطلح لوجدنا أنها واجهته من خلال ثلاثة اتجاهات، الأول: رافض له بشكل قطعي، لأنه رأى فيه انتقاصاً وتحيّزاً للرجال، خصوصاً أن هناك أديبات خالدات قدّمن للساحة الثقافية العربية نتاجاً إبداعياً متميزاً مهّد لهنّ طريق الشهرة والتفرّد، وهناك أمثلة كثيرة لهن على امتداد الوطن العربي، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، حيث استطاعت المرأة أن تحقق حضورها الأدبي.

ويوضح، أما الموقف الثاني، فيمثّل الوسطية والاعتدال، حيث يستند إلى مبدأ الموازنة في النظرة للنتاج الإبداعي للمرأة، فهو يراعي خصوصية تجربتها التاريخية والاجتماعية التي مرّت بها من جهة، ويرفض أن يقتصر الموقف من إبداعاتها على أنها لمخلوقة ناعمة ضعيفة تختلف عن الرجل، ولا توازيه في إبداعاته، من جهة أخرى، وهذا طرح يجانب الصواب إلى حد بعيد، أما الموقف الثالث فهو الموقف الذي تبنّى مصطلح الأدب النسوي، وعمل على توظيفه في الثقافة العربية، ولكن هذا التوظيف في مجمله كان نظرياً، ولم تدعمه دراسات عملية أو إجرائية تطبيقية، ولذلك بقي ضبابياً غير واضح المعالم، في حين نراه أكثر وضوحاً ودقة في الحركة الأدبية النسوية في الغرب، حيث واكبت هذه الحركة غزارة في النتاج النقدي الغربي ومناهجه الحديثة، ما زاد في اتساع حضوره في الثقافة والأدب الغربي، ولعلنا نستدل من هذا الارتباط على تراجع حضور هذا المصطلح – الأدب النسوي – وحتى غيابه عن الساحة الثقافية العربية، إذ تعد العملية النقدية المرآة التي تجلو جماليات النص الأدبي المدروس وتظهره للجمهور والمثقفين والمتخصّصين والأكاديميين على أنه أنموذج حي للنتاج الأدبي الإبداعي بأنواعه المختلفة: الرواية، القصة، الشعر، والمسرحية، وهو نتاج ذو صفات وسمات أنثوية لا تقل قوة وإبداعاً عن نتاجات الأدباء والمفكرين، وبالتالي فإن غياب هذه الدراسات النقدية كان سبباً مباشراً لاختفاء هذا المصطلح وتراجع حضوره في الساحة الثقافية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"