مفارقات تقدم العلـــوم والقيـــم

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ستعود البشرية إلى التفكير في تلك الفكرة المخيفة بذكائها: «إن الذكاء قوة عدوانية»؟ الذكاء هو المسؤول الأول عن وضع الاستراتيجيات. البرهان على الخلفية الصراعية في كواليس الذهن، هو أن كتاب «فن الحرب» للصيني صن تزو، وضع له أهل التخصصات المختلفة، تطبيقات شتى في الاقتصاد، التجارة، الإدارة، التسويق، الدعاية والإعلان والعديد من مجالات التنافس. النزال قائم ولو من دون إزهاق أرواح، ما يحدث هو إقصاء المنافس عن حلبة التألق.
في كل مرة، منذ أقدم العصور، تخرج القيم والثقافة برضوض وكدمات، تكون حوراء فتمسي عوراء. تكون ممشوقة رشيقة، فتغدو عوجاء عرجاء. التفاؤل بالخير في مكانه، فالعاقل لا يقتدي بابن الرومي في تطيّره، لكن الأمل الإنساني في الغد المشرق، لا يتعارض وضرورة التنبه لاتجاه بوصلة الذكاء. المخاطر جمّة في زحام المرور على الطرق السريعة التي يتسابق فيها الخصوم، بقدرات لم تعرفها المدنيات الماضية، وما لم تلعب الثقافات دور الكوابح المانعة للانغلاق والانزلاق، فإن الذكاء الآدمي لن يكون مختلفاً عن الغباء، إذا لم يكن أنكى عواقب.
الغريب أن الذكاء، الذي هو محل فخر لدى الأفراد والجماعات، أثبت أنه يعمل بكل طاقاته ومواهبه حين تتدخل نيوب الغريزة. لم تشهد الأرض منذ نشوء البكتيريا الأولى، أو ذوات الخلية الواحدة، أن قضت فئة حيوانية على خمسين مليون كائن حي دفعة واحدة. الحرب العالمية الثانية فعلتها، والأولى كانت مليونية أيضاً.
على العقلاء الذين يمسكون بمقاليد القرار، ولو في نطاق محدود، خارج ميادين الصدام الكبرى، تلك التي إذا ضغط فيها أحد على أحد أزرار الجحيم، تداعت له أركان العالم بالزلازل والبراكين والطوفانات، أن يبذلوا قصارى جهدهم لإحداث عمليات تبريد لمفاعلات الأمخاخ، سعياً إلى درء تداعي أحجار الدومينو.
لقد حققت العلوم والتكنولوجيا أشكالاً من التقدم تعلم العامة جزءاً ضئيلاً منها. فالجماهير، التي تتعطش القفزات العلمية إلى دمائها، مغيّبة عما يجري في مخابر الدمار الشامل، وما يخفيه مستقبل الروبوتات العسكرية. قديماً، كانوا يضربون المثل: «ويل للشجي من الخلي»، لحامل الهم لا يحس بمعاناته من هو فارغ منه.غداً، سينطبق المثل على المساكين الذين سيحصدهم الروبوت العسكري، الذي لا يدرك كنهاً للفاجعة ولا يعرف الفارق بين الموت والحياة. أو الحرب والسلام.
لزوم ما يلزم: النتيجة التناقضية: كلما تقدم العلم خطوة، تأخرت القيم ميلاً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"