روز.. عروس الكتابة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

قرأت رواية «يوميات روز» للكاتبة الإماراتية ريم الكمالي، وخرجت بامتلاء القارئ بالمكان الإماراتي - وجمالياته، ورموزه، وعلاماته المادية والإنسية في ستينات القرن العشرين. النقوش روح المنازل في الشندغة في دبي. القلم والإبرة واللؤلؤ، والغوص، ومبكراً بائع الكتب ومجلة أخبار دبي. تجهيز العروس، ونخلة بوهيل ثم الحب والكتابة والفقدان والزوجة المسوّرة بقلعة، ثم الشعر في لغة هذه الرواية. الشعر المضمر في السرد وفي اليوميات، ويتحوّل بدوره إلى لؤلؤ.
خريطة حكائية، سردية، مذكّراتية مصنوعة بثقة وهدوء وكبرياء. وكم يحب القارئ الكبرياء المضمرة في الكتابة، والتي يشعر معها أنه كاتب مشارك في العمل الأدبي الذي يحبّه، ويتوغل في عروقه..
غير أنني سأتوقف بانتباه خاص عند فضائين اثنين في هذه الرواية المكانية، والإنسانية، والجمالية في آن واحد. الفضاء الأول:- هو فضاء المعتقدات الشعبية التي وردت في مستوى اجتماعي، عائلي تمثّله جدّة روز بشكل خاص، والفضاء الثاني هو فضاء القماش - إن جازت العبارة، فالقماش، وألوانه، وأنواعه، وأسماؤه، وروائحه الخفيّة هو بناء روائي يفرض نفسه على القراءة في مستواها الجمالي والأنثروبولوجي أيضاً.. وهذه قائمة معتقدات:-
- تشير جدّة روز عليها بأن تشرب كثيراً من الماء، فوجهها شاحب، فتجيبها روز «بأمرك جدّتي»، فتقول لها الجدّة: «.. لا تنسي أن تقلبي الكأس بعد الشرب، كي لا تسكنها الأرواح، حينها لن تنهضي من النوم».
- الجدّة، أيضاً، تلاحظ أن روز كثيرة التثاؤب، فتقول لها: أعتقد أن هذا، أي التثاؤب الكثير سيؤخر زواجك..
- الجدّة، مرة ثانية أو ثالثة وليست أخيرة، توصي بألا يشرب أحد الدواء أيام الجمع، فالله، وحده الشافي في يومه المبارك.
- في مشهد آخر قبل نهاية الرواية.. «.. يأتي البخور والغداء، ويأتي الغروب مع قراءة جدّتي على ماء في طاسة نحاسية كتبت في جوفها آية الكرسي..».
- تشاهد زوجة عمّ روز القمر وقد انخسف واختفى قليلاً في صدر السماء، فتصيح بصوت مرتفع: لقد بلعه الحوت..
- رش الملح في غرفة روز كي لا يضرّها الجِنّ، وجدّتها تعلّق قطعة صغيرة من جلد الذئب في غرفتها، لتحمي بيتها من شرور الشيطان.
- ثم، الذباب الذي يُستدل به على سقوط المطر، واليعسوب الذي يبشر بالزواج.
هذه الجملة من المعتقدات هي ملح الرواية وبهاراتها الشعبية الفطرية.
القماش في الرواية لون النص وملمس الكلمات أو يكاد القماش في النصّ يكون ملمس اللغة حين تصف الثياب في المندوس: كندورة بونسيعة البنفسجية، وكندورة قماش بوقليم الأخضر المقلّم بأعمدة سوداء ناعمة «يوحي بالزهد الشديد».
- عروس الكتابة تأخذنا إلى زمن قماش البرشوت، وقماش بوتفاحة، لا بل ستأخذنا إلى خزانة من الأقمشة: «اقرأ صفحة 209 و2010» على سبيل المثال لا الحصر: أطلس، برشوت، بوتفاحة، بو فتنيل، قماش بسرة، خلالة، بودقة، بو ربوع، بو طاووس، بوطيره، بوغصنة، بوقفص، بو كلفس، بو النوف... أما الألوان: فالحشيشي، والكركمي، ودم الغزال، والنّيلي، والبوصي..
.. القماش، - البشرة الثانية للإنسانْ.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"