كلّنا مخطئون إلاّ أنتم

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

لقد خبرنا نحن العرب نفاق الغرب في أكثر من مناسبة، وخبرنا أيضاً قدرتهم على قلب الحقائق وتلبيس الحق بالباطل، أمّا في هذه الأزمة الأوكرانية، فإنّ شعوباً أخرى في مناطق من العالم استطاعت أن تختبر الغرب في ميزان «ازدواجية المعايير».

 هيئات رياضية دولية تسارع إلى معاقبة روسيا في كل الاختصاصات تقريباً بسبب حربها على أوكرانيا، وملاعب رياضية تتوشح باللونين الأصفر والأزرق في إشارة إلى تضامن غربي واسع مع شعب أوكرانيا، ولكن لا أحد استطاع أن ينتفض لأطفال العراق حينما كانت أمريكا تدك بلادهم بكل أنواع الأسلحة المحرّمة دولياً، ولا أحد من هياكل الرياضة الدولية استطاع أن ينبس ببنت شفة حتى لمجرّد لوم أمريكا على احتلال بلد في حجم العراق، بالرغم من أن أمريكا خالفت القانون الدولي في ذلك الغزو وارتكبت ما ارتكبت من جرائم الحرب. والموقف الغربي ذاته، أي الصمت المطبق، رافق في كل مرّة العدوان على الشعب الفلسطيني من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

 الغريب أن الغربيين هم الذين يصنعون الأزمات والحروب، وهم الذين يتدخلون في شؤون الدول الأخرى ويريدون أن تكون كل شعوب العالم في خدمتهم وتحت رحمتهم ويصورون أنفسهم على أنّهم الأفضل والأرقى وأنّ كلّ الشعوب الأخرى ودون استثناء هي المخطئة، وهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة المطلقة.

 الغرب بقيادة أمريكا، يدرك أن مصالح أوكرانيا الاستراتيجية هي مع روسيا وليست مع الغرب، ورغم ذلك فإنه عمل طوال السنوات الماضية على دقّ إسفين في العلاقة بين البلدين، وها هي نتائج هذه السياسة تترجم الآن في شكل حرب مدمّرة يتحمّل كلّ أوزارها الشعب الأوكراني المسالم والمفقّر. وشعب أوكرانيا حتى من حيث التشكيل العرقي ليس من الأعراق الغربية، وجغرافياً واستراتيجياً هي امتداد لروسيا و ليست للغرب اللاتيني. ومع ذلك فصناعة الأزمات والحروب هي صناعة غربية بامتياز على مدار القرون الأخيرة. فحيثما نشبت حرب إلاّ ووجدنا وراءها دولة أو دولاً غربية قد هندستها أو تورطت فيها بشكل مباشر، ونحن العرب خاصة لم نر عدواناً من روسيا أو الصين، بل على العكس وجدنا هاتين القوتين العظميين تقفان دوماً في صف القضايا العربيّة.

 يمتلك الغرب قدرات واسعة في تغيير الحقائق وتزييفها، ويضحّي بشعوب من دون أن ترفّ له جفن، ثم يتخلّى عنها عندما تتحرك ماكينات الحروب. فالغرب و بعد أن ورط أوكرانيا في حرب خاسرة، ينأى بنفسه عن أيّ تصادم مع موسكو، لأنه يعرف أنها ليست العراق وليست فنزويلا وليست ليبيا أو سوريا، هذه الدول التي استباحوا أراضيها وسياداتها وقتلوا زعماءها انطلاقاً من صناعة الأكاذيب التي أقر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد بأنها كانت نهجاً في إدارات البيت الأبيض. حتّى أنّ وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابق كولن باول، تحدّث دفاعه عن تقرير بلاده حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة أمام الأمم المتحدة ( قبيل الحرب على العراق) بأنه «وصمة عار في مسيرته السياسية». وذلك بعد سنوات من دمار البلد العربي.

 فهل يقبل الغرب (بشقّيه الأوروبي والأمريكي) اليوم النصيحة ويعترف بأنه جرّ أوكرانيا إلى حرب عبثية؟ وهل يقبل الغرب اليوم أن يقاد رئيس أوكرانيا إلى المشنقة مثلما فعلوا مع صدام حسين ذات فجر عيد الأضحى؟ إنهم لا يتراجعون عن سياساتهم الخاطئة بل إنهم سيغمضون أعينهم عن مأساة الشعب الأوكراني، وحتى عن مأساة رئيس أوكرانيا المغررّ به. الرئيس الروسي خاطبهم بما لا يستطيعون إنكاره قائلا «لا تحدثونا عن القانون الدولي الذي نعرفه. فإذا قبضنا على الرئيس الأوكراني بالزي العسكري سنعامله معاملة الأسرى ولن نقتله كما فعلتم بالقذافي وصدام حسين».

 أما النائب البرلماني الإيرلندي المدافع عن فلسطين ريتشارد بويت باريت، فقد صرخ في وجوههم: «5 أيام وفرضت عقوبات على بوتين مقابل 70 عاماً بلا عقوبات على إسرائيل»، لماذا؟

 إنها حرب عبثيّة بكل المقاييس، والغرب الذي يريد جرّ روسيا لحرب كبرى – ربما تتسع لتصبح عالمية - هو المسؤول لأنه لا يستمع إلاّ إلى نفسه، ولأنه أراد عولمة مغشوشة هدفها السيطرة على مقدرات الشعوب، لكن تلك الشعوب باتت تعرف كيف تقرر مصيرها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"