الحديد وهدف النمو الصيني

كلايد روسل *

للوهلة الأولى يبدو أن خفض الصين لهدف نموها الاقتصادي لعام 2022 إلى 5.5% سيكون له تأثير هبوطي لأسعار خام الحديد، ولكن هناك عوامل أخرى من المحتمل أن تُبقي الضغط تصاعدياً على المواد الخام للصلب.

لا شك بأن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستورد للسلع، تواجه تحديات مفصلية على الصعيدين المحلي والعالمي. لذلك لم يكن مستغرباً خفض رئيس الوزراء لي كه تشيانج هدف النمو مقارنة ب 6% للعام الماضي بالرغم من أن الاقتصاد توسع فعلياً بنسبة 8.1% آنذاك. وفي تقريره أمام البرلمان، قال لي إن أولوية الصين لعام 2022 هي الاستقرار الاقتصادي، وهي كلمات تكاد تكون تفاؤلية للغاية بالنسبة لخام الحديد.

خفّضت الصين بالفعل أسعار الفائدة، وبدأت الحكومات المحلية في تعزيز الإنفاق على البنية التحتية، ومن المتوقع إجراء تخفيضات ضريبية، وكلها عوامل إيجابية للطلب على الصلب. وشهدت واردات خام الحديد بداية مستقرة لهذا العام على الرغم من القيود المفروضة على إنتاج الصلب، حيث سعت بكين للحد من التلوث خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في المدينة. وبحسب تقديرات «ريفنيتيف» فقد بلغت الأرقام 83.69 مليون طن مستورد في فبراير/شباط، و86.14 مليون طن في الشهر الذي قبله، أي أقل من 88.4 مليون طن من خام الحديد استوردتها الصين في ديسمبر/كانون الأول الفائت، و89.29 مليون طن عائدة لنوفمبر/تشرين الثاني.

الآن، وبعد أن انتهت هذه القيود وبدأت إجراءات التحفيز في التدفق إلى الاقتصاد الصيني، فمن المحتمل أن يرتفع الطلب على الصلب مجدداً، وبالتالي رفع واردات خام الحديد في الأشهر المقبلة.

بشكل عام، تبدو الركائز المحلية لإنتاج خام الحديد الصيني بنّاءة بالنظر إلى أن التكوين المحتمل لنمو الصين المستقبلي سيعتمد كثيراً على المادة رغم هدف النمو الاقتصادي المخفّض. وقد تتماشى العوامل الخارجية أيضاً لصالح إنتاج محلي أقوى في ظل الأزمة المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، واللتين تُعتبران مُصدّرين مهمين لخام الحديد ومنتجات الصلب، وهي تجارة من المرجح أن تختفي في الأشهر المقبلة.

ستتوقف صادرات أوكرانيا بسبب الحرب، ومن المرجح أن تواجه الشحنات الروسية صعوبات بالغة مع رضوخ المشترين للعقوبات المفروضة على موسكو، فضلاً عن التحديات المتعلقة بترتيبات الدفع والنقل والتخزين والتأمين على مشتريات السلع الأساسية.

صدّرت أوكرانيا 2.92 مليون طن من خام الحديد في يناير 2022، منها 1.3 مليون طن للصين، بالإضافة إلى 3.27 مليون طن في ديسمبر 2021، منها 1.96 مليون طن للصين، وذلك وفقاً لاستشاري السلع الأساسية «كبلر». وتظهر البيانات أن الشحنات الشهرية تتراوح بين نحو 1.8 مليون طن وحوالي 3.7 مليون طن في العامين الماضيين. وبينما لم تزد صادرات روسيا من خام الحديد عن نصف مليون طن شهرياً، إلا أن شحناتها من الصلب تميل إلى الارتفاع قليلاً عن مليون طن كل شهر.

صحيح أن خسارة صادرات خام الحديد الأوكراني تُعد صغيرة نسبياً، ولكنها ستجبر المشترين على البحث عن بدائل في أماكن أخرى، حيث من المحتمل أن تتحول مصانع الصلب الأوروبية إلى الشركات في حوض الأطلسي كالبرازيل أو إلى جنوب إفريقيا، بينما سيحاول المستوردون الآسيويون الحصول على المزيد من أكبر مصدّر للخام «أستراليا»، وربما من المنتجين من الدرجة الثانية مثل إيران والهند.

سيؤدي فقدان هذا العرض إلى إحكام السوق إلى حد ما في الصين، التي تشتري حوالي 70% من خام الحديد العالمي المنقول بحراً. بعبارة أخرى، إن غياب الشحنات الأوكرانية لخام الحديد لا يُمثل خسارة كبيرة كخسارة الخام الروسي لسوق النفط، لكنه يبقى عاملاً مؤثراً في تصاعد الأسعار.

تعد الصين واحدة من المنتجين القلائل الذين لديهم القدرة على زيادة إنتاج الصلب، وإذا تغاضت السلطات المحلية عن قضايا التلوث البيئي الناجم عن عمليات التصنيع كثيفة الفحم، فمن المحتمل أن تزيد مصانع الصلب الصينية إنتاجها وترفع الصادرات.

في الأسابيع الأخيرة، ارتفع السعر الفوري لخام الحديد القياسي الذي تم تسليمه في شمال الصين إلى 151.40 دولار للطن، بحسب تقييم وكالة تقارير أسعار السلع الأساسية «آرجوس». وكان هذا ارتفاعاً من أدنى مستوى مباشرة قبل العملية العسكرية في أوكرانيا حين بلغ السعر 130.75 دولار للطن، وأقل بقليل من الذروة التي بلغت 153.55 دولار، والتي سُجلت في 3 مارس/آذار، وهو أعلى إغلاق منذ أغسطس/آب من العام الماضي.

ومع ذلك، فإن الارتفاع الأخير في خام الحديد متواضع مقارنة بالسلع الأخرى المتأثرة بأزمة أوكرانيا، كالنفط الخام والغاز الطبيعي والقمح، ولا تزال أسعار الصلب أقل بكثير من الرقم القياسي 235.55 دولار للطن في مايو/أيار 2021. وفي حين أن الارتفاع إلى تلك المستويات القياسية لا يبدو مرجحاً بالنظر لأساسيات العرض والطلب الراهنة، لكن المجال يبقى مفتوحاً لتحقيق مزيد من المكاسب.

* كاتب عمود في رويترز