عادي
أُطر نظرية لمكافحة التهميش والهيمنة

«لقاء مارس».. الفن يطرح أسئلة ما بعد الاستعمار

00:09 صباحا
قراءة 4 دقائق
خلال إحدى جلسات اللقاء

الشارقة: عثمان حسن

انعكست الآثار السلبية لحقبة ما بعد الاستعمار، في البنى والهياكل الاجتماعية والسياسية والثقافية في كثير من التجمعات البشرية والسكانية من حول العالم، وهو ما ناقشه لقاء مارس في نسخته ال 14 الذي نظمته مؤسسة الشارقة للفنون تحت عنوان لافت هو «متحورات ما بعد الاستعمار»، وناقش 40 باحثاً وفناناً وناقداً ومؤرخاً وأكاديمياً من مختلف دول العالم الممارسات الفنية والثقافية التي عكست آثار هذه الحقبة.

سلط اللقاء من خلال الأبحاث والأوراق والتجارب المقدمة الضوء على جملة من الآثار السلبية والشائكة في مناطق مختلفة من العالم، بما فيها من تحديات خطيرة، وما شكلته من بؤر تشكو الفقر والتخلف والحروب، وهي بنظر الباحثين أقرب ما تكون إلى لحظات فارقة في التاريخ.

وفي واحدة من جلسات الملتقى بعنوان «ضرورات إعادة تصور ما بعد الاستعمار» انطلقت جاياتري شاكرافورتي الأكاديمية المعروفة في جامعة كولومبيا، من نقطة تحول الليبرالية الجديدة في العالم إلى أداة رئيسية للاستغلال والقمع الأيديولوجي الذي تزامن مع نشوء بؤر استعمارية في العالم، عانت أشكال السلطة والهيمنة بأشكال مختلفة، وقد طرحت جاياتري أسئلة مهمة ذات صلة بعلاقة الهيمنة والسلطة ونشوء المستعمرات.

وضربت مثلاً بالأمريكان الأصليين في الولايات المتحدة، وركزت على ضرورة محاربة إجراءات التطهير العرقي وسط المجموعات السكانية الأصلية، حتى يدرك العالم المتقدم أن كل البشر لهم حقوق، وهم لا يقلون عنه أهمية.

أفكار الهيمنة

التهميش ومصادرة رأي الشعوب المستعمرة وتغليب أفكار الهيمنة من خلال لغة وحيدة يفرضها المستعمر، كان منطلقاً لجلسة حوارية بعنوان «بنية ديمومة اللامساواة.. الاستعمار الاستيطاني والتفرقة والفصل العنصرية»، تحدثت فيها المحامية في مجال حقوق الإنسان نورا عريقات، وناقشت من خلالها استمرار معاناة كثير من السكان الأصليين من التهميش واللامساواة تحت قبضة الاحتلال، وفسرت عريقات هذه الأزمة الشائكة انطلاقاً من سياسات الدولة الاستعمارية الاستيطانية وسياسة الفصل العنصري، هذه السياسات المحمية بأطر قانونية وتعمل على استمراراها في غياب دور فاعل للمؤسسات القانونية، وفي ظل غياب دراسات معمقة تدرس آثار نظرية الاستعمار الاستيطاني، فضلاً عن غياب التجارب الفنية والبصرية والأدبية، التي تبرز من خلال قوتها الناعمة كل الآثار الاستعمارية، مع ضرورات الاستعمار في تقديم حلول ثقافية وفنية لتفكيكها ومقاومتها.

«الهجرات إلى الشمال والترحيل القسري والممر الأوسط الجديد» هو عنوان واحدة من الجلسات النقاشية التي سلط لقاء مارس من خلالها الضوء على مظاهر احتفاء المؤسسات الغربية مؤخراً، بالمواهب المنحدرة من الجنوب، وما يحمله ذلك من تناقض واضح وصارخ يتزامن مع تصعيد سياسات كراهية الأجانب، ومحاربة الهجرة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.

ومن العناوين اللافتة في اللقاء التي استشرفت ما جاء في إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية «بنية ديمومة اللا مساواة... الأصالة والسيادة»، وبروز مفاهيم مثل «السيادة» و«حق تقرير المصير».. حيث قدمت فيها أوراق عمل تدرس هذه الآثار في سياقات الفن المعاصر والثقافة والبعد السياسي.

أزمات

«البيئة والمناخ والاحتباس الحراري والأنثروبوسين» كان عنواناً رئيسيا في لقاء مارس من خلال الفنانين: جون أوكومفرا، كارولينا كايسيدو، والكاتب تي جي ديموس، رئيس برنامج ورولاند ريبيلي في تاريخ الفن - جامعة كاليفورنيا، وهؤلاء درسوا التهديدات غير المسبوقة التي تواجه العالم اليوم في ظل التدهور البيئي والتغير المناخي بدخول الأرض حقبة ما يعرف ب«الأنثروبوسين»، وتفاقم هذه الأزمة خلال العقدين الماضيين على نحو يبرز تزايد الكوارث المدمرة بحق الجنس البشري، كما درست الجلسة إمكانات معاينة هذه الآثار من قبل النخبة المثقفة في شتى مجالات الفنون والآداب، خاصة مع بروز حركات اجتماعية وسياسية تعارض الاتكالية المستمرة في استخراج الموارد الطبيعية الضارة بالبيئة.

واشتمل اللقاء على جلسة بعنوان «استرداد الأعمال الفنية والتحف المنهوبة وإعادتها إلى أوطانها من خلال مشاركين مختصين: ديفيد أجاي مهندس معماري، وشيكا أوكيكي أجولو أستاذ الفنون بجامعة برينستون، ونجاير بلانكنبرج مدير متحف سميشونيان الوطني للفنون الإفريقية، وأيضاً الفنان مايكل راكويتز.. وناقشت الجلسة سبل استرداد هذه الأعمال التي شهدت في السنوات الأخيرة انفراجة محدودة، كما عاينت سبل استمرار المنح الدراسية، ودور المتاحف في إعادة الممتلكات إلى أصحابها.

وفي الإطار نفسه يمكن التنوية بجلسة الحركات الاجتماعية الجديدة مثل «حركة السود مهمة» والأصداء الواسعة التي رافقتها وضرورة استكمال نشاطات هذه الحركات لمهمتها.

المشاركون في الجلسة، وهم: أساتذة وأكاديميون وكتاب معروفون: مينا كانداسامي -جامعة كورنيل وأحمد سيكينجا- جامعة ولاية أوهايو، وسراج ينغدي- جامعة هارفارد، ركزوا على حركة السود مهمة، التي نشأت بعد الفرز العنصري ضد السود، والتفاوتات الهيكلية المتجذرة في العبودية والنظام الرأسمالي، لقد أحيت الحركة بحسب المشاركين التضامنات القديمة، وحفزت النقاشات حول مواضيع محرمة، مثل الهرمية الطبقية في الهند، أو العنصرية تجاه السود في أمريكا والشرق والأوسط.

ومن بين العناوين اللافتة في لقاء مارس جلسة مهمة لأساتذة في جامعات مرموقة درست البنية النظرية التي نشأت في أعقاب مرحلة ما بعد الاستعمار، وتجسدت على شكل مفاهيم مثل: تقاطعات أشكال التمييز، والنسوية، والهويات الجندرية، بعد مراجعتها وإعادة تقديمها في ضوء تأثير دراسات ما بعد الاستعمار.

نهب الموارد

«أوجه جديدة لنهب الموارد والمراقبة» هو عنوان آخر لجلسة نقاشية في لقاء مارس انطلق فيها لونس أبو حمدان من مجموعة كامب بمشاركة أساتذة مختصين بالفنون شاركوا عن بعد، من العقود الأربعة الماضية التي شهدت أشكالاً متنوعة ومكثفة من الاجتثاث تجسدت في الاستيلاء على الأرض والتجارة غير المشروعة في الموارد والمعادن الطبيعية، جراء الهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية في غير مكان في العالم، وتناولت الجلسة ضرورات البحث عن أسئلة نقدية فنية تقارب مثل هذه الظاهر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"