ما بعد «كورونا» وأوكرانيا

01:43 صباحا
قراءة دقيقتين

تضغط الأحداث الجارية في أوكرانيا والتوتر غير المسبوق بين روسيا والدول الغربية بقوة على كبار الخبراء والاستشرافيين، لرصد المآلات التي سيتجه إليها العالم بعد هذه الأزمة. وإلى حد اللحظة لا توجد إجابة قاطعة أو فرضية يمكن أن تتفوق على أخرى، فالوضع شديد الدقة وكل السيناريوهات من أخفها إلى أسوئها محتملة، وهو ما يجعل المصير مجهولاً حتى تظهر أول بقعة من وسط العتمة.
هذه الأزمة عالمية شاملة، وجاءت بعد عامين من المتاعب الجمة جراء الجائحة الصحية بسبب فيروس «كورونا»، وما ألحقته من أضرار بالقطاعات الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك ظل الأمل قائماً بأن ينشئ التضامن الدولي مسارات واعدة للانتعاش تعوض الخسائر وترسم انطلاقة جديدة لأنشطة الحياة المختلفة تستعيد التعافي، وقد بدأ العمل على ذلك وتم وضع خطط واستراتيجيات استعداداً للتنفيذ، لكن باندلاع الحرب في أوكرانيا حدثت خيبة شديدة المرارة، ووقع العالم كله في أزمة أشد من «كورونا» ذاتها، والخطر الأكبر أن تتحول إلى صراع عسكري مفتوح، إذا بلغ الغليان درجة الانفجار مع ارتفاع ضغوط الحرب على مدار الساعة. وفي مثل هذه الأوضاع لا يمكن التنبؤ بما سيجري في اليوم التالي، خصوصاً إذا طالت التجاذبات المصالح الحيوية للدول الكبرى، ممثلة الآن في روسيا والولايات المتحدة ومن يمكن أن يقف في صف أي منهما. وبعد أن أمعنت واشنطن وحلفاؤها في فرض العقوبات، لا يمكن لموسكو أن تظل متفرجة على انهيار اقتصادها وربما مكانتها كدولة عظمى، وهو ما سيدفعها، على الأرجح، إلى اتخاذ ردود مؤلمة مازال الجميع ينتظر فحواها.
في مكان ما من الكرة الأرضية تقف الصين، القوة الصاعدة، محتفظة بأوراقها، فهي وإن كانت على علاقة استراتيجية وثيقة مع روسيا، ترتبط بمصالح كبيرة جداً مع الدول الغربية، وبحكم مكانتها تلك تراهن عليها بعض الدول الأوروبية لتكون وسيط سلام في هذه الأزمة، على الرغم من أن وساطتها، إن حصلت، لن تكون عملاً خيرياً؛ بل ستحكمها مصالحها الخاصة و«الغنائم» التي يمكن أن تحققها من هذه الحرب، في الوقت الذي تؤكد فيه معظم التحليلات أن العملاق الآسيوي سيكون المستفيد الأكبر في أغلب الأحوال.
قبل أشهر قليلة كان الحديث يدور على أن عالم ما بعد «كورونا» لن يكون كما قبلها، وبعد الحرب في أوكرانيا ستتعزز هذه الفرضية، وستصبح أمراً واقعاً ونتيجة حتمية للأزمتين. فقبل يومين حثت روسيا الولايات المتحدة على التعايش السلمي وفق قواعد الحرب الباردة، ودعتها إلى نسيان الزمن، الذي كانت فيه واشنطن تهيمن وحيدة على المجتمع الدولي. وقبل الحرب في أوكرانيا أكد بيان للرئيسين الروسي والصيني أن العلاقات الدولية دخلت عهداً جديداً. وهذا القول ليس خطاباً إنشائياً بلا معان ودلالات، كما أن الصراع الدائر ليس مغامرة طائشة أو عملاً بلا هدف؛ بل هو مواجهة بين ثابت ومتحول، والنتيجة الحتمية أن العالم يتغير ويتشكل على أسس جديدة، ليس بعد «كورونا» فحسب؛ بل بعد أوكرانيا أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"