من أفغانستان إلى أوكرانيا

01:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين *

ثمة من يدعي أن  تورط الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، في سبعينات القرن الماضي، إضافة إلى مشروع حرب النجوم إضافة إلى عوامل أخرى، أدت إلى انهياره، فماذا عن أوكرانيا اليوم؟
  أوكرانيا التي كانت ممراً لغزوين نُفذا ضد روسيا، الأول قام به نابليون، والثاني أدولف هتلر، ورغم فشلهما، ظلت كييف الحجر الأساس في بنية الأمن القومي لروسيا في الحقبتين السوفييتية والحالية، ما جعلها قبلة المجال الحيوي غير القابلة للتفاوض، والهدف الروسي الاستراتيجي لتحييدها ومنعها من الدخول في حلف الناتو، وقد بدا هذا المطلب واضحاً وجلياً منذ بدء الهجوم الروسي، وهو تطبيق نظام الحياد باعتباره من وجهة نظر موسكو الوضع الذي يبعدها عن تشكيل أي خطر، إضافة إلى طيّ صفحة الدخول في حلف الأطلسي.
  آن مطلب الحياد وفقاً للقانون الدولي يتطلب شروطاً لتنفيذه ونجاحه، قياساً على تجارب سابقة، من بينها مثلاً لا حصراً، التوافق الدولي على حياد أوكرانيا، وهو أمر غير متوفر باعتبار روسيا طرفاً فيه، ولن توافق على ذلك، إضافة إلى شبه إجماع الأوكرانيين على ذلك، وقدرتهم على حماية حيادهم بنفسهم إذا ما تم التوافق عليه، وفي مطلق الأحوال ثمة مصاعب جمة لتنفيذه ونجاحه.
  إن وقائع الحرب الدائرة حالياً تشي بمعطيات أخرى، أبرزها طول أمد المعارك، وعدم القدرة على الحسم السريع والفعال الذي ينتج مشروع حل ما، وبالتالي تذهب الأمور إلى تداعيات أخرى، من بينها ازدياد الاصطفاف الدولي، وانقسامه في ظل عدم وجود مؤشرات جدية لمساعدة أوكرانيا، أو أقلّه الولوج في مفاوضات جدية قابلة لإنتاج مشاريع حلول لاحقة؛ ما يعني المزيد من الوقت والأكلاف العالية على الصعيدين الأوروبي والدولي.
  من الصعب توصيف الحرب القائمة حالياً بغير الورطة الاستراتيجية التي دخلت فيها موسكو، والتي لن تكون قادرة على الخروج منها إلا بأثمان باهظة، في وقت تهيئ واشنطن وأوروبا للمستنقع الكبير في ظل استعار أجواء الحرب البارد والتي يمكن أن تنفجر في إطار حرب عالمية ثالثة.
  إن التدقيق في مجريات المعارك الميدانية تشير إلى بداية تقسيم للمناطق الأوكرانية، شرق تسيطر عليه القوات الروسية، وغرب تحاول السلطة الأوكرانية تعزيز مواقعها فيه بدعم غربي، وصولاً إلى تسريب إمكانية إعلان الرئيس الأوكراني، فيولوديمير زيلينسكي، حكومة في المناطق الشرقية لإطلاق المواجهة ضد موسكو بدعم غربي.
  وفي الماضي، قسمت بولندا جارة أوكرانيا ثلاث مرات، واختفت عن الجغرافيا السياسية الأوروبية، كما ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، فهل تتجه أوكرانيا كما يوغسلافيا للتقسيم، كبداية لإشعال حرب ومقاومة ضروس كما حدث ضد السوفييت في أفغانستان؟ إن التدقيق في وقائع وظروف تلك الحقب تبدو متشابهة ومتطابقة في بعضها الآخر، ما يعزز تلك الفرضيات .
   مهما يكن من أمر تلك النتائج والسيناريوهات المحتملة، إلا أن المشترك والثابت بينها، أن روسيا دخلت في نفق طويل يتطلب الخروج منه أكلافاً باهظة جداً. واليوم، يبدو ربما الأمر مماثلاً لما يجري في أوكرانيا، فهل سيؤدي ذلك المزيد من التوريط وإضعاف روسيا مجدداً، وعزلها أيضاً عن النظام العالمي كدولة عظمى؟

* رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"