الرقابـــــة على الأصول المشفرة

21:29 مساء
قراءة 3 دقائق

عدنان أحمد يوسف *

صدر في دبي قانون تنظيم الأصول الافتراضية الهادف إلى توفير النظم اللازمة لحماية المستثمرين والمتعاملين في هذا القطاع والإسهام في جذب الاستثمارات والشركات العاملة في هذا المجال لتتخذ من الإمارة مركزاً لأعمالها.

وواضح أن الأصول الافتراضية أو الأصول المشفرة باتت تحتل حيزاً متنامياً في الأسواق المالية في دول المنطقة، حيث سبق لمصرف البحرين المركزي أن أصدر في أكتوبر 2019 فصلاً حول الأصول المشفرة يتبع لفصول مجلد التوجيهات السادس الخاص بأسواق رأس المال، والذي يمثل الإطار التنظيمي والرقابي للإشراف على مزودي خدمات الأصول المشفرة، ويحتوي على القواعد اللازمة لمكافحة مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب المرتبطة بالأصول المشفرة، بما يتوافق مع توصيات فريق العمل المالي (FATF) واتباع أفضل الممارسات الدولية في هذا الشأن.

وفي الوقت الحالي تشمل الأصول المشفرة المقبولة للتداول من خلال المرخص لها: بيتكوين، إيثيريوم، ليتكوين، ريبل، وبيتكوين كاش. 

والأصول المشفرة هو مصطلح يشير إلى العملات الرقمية الافتراضية التي يتم التداول عليها إلكترونياً، فهي عملات لا وجود لها على أرض الواقع، ولكنها عرفت من خلال الشبكة العنكبوتية، ويتم تداولها عليها.

واللافت هو أن حجم التداول في العملات الرقمية (الأصول المشفرة) عن طريق منصات التداول المرخص لها من قبل مصرف البحرين المركزي بلغ نحو 143 مليوناً و320 ألف دينار خلال الربع الأول من عام 2021، بزيادة تقدر بنحو 300% على حجم التداول في الربع الأول من العام الماضي والبالغ 41 مليوناً و886 ألف دينار، وبأكثر من 50 ضعفاً عن بداية التداول في الربع الثالث من عام 2019 والتي قدرت بمليونين و775 ألف دينار.

ويعكس هذا النمو الكبير، في جانب منه، رغبة العديد من المستثمرين في المضاربة والربح السريع، لكنّ جانباً منه يعكس أيضاً أن منصات التعامل المرخص لها من قبل مصرف البحرين المركزي أعلنت عن حصولها على شهادة الاعتماد الشرعي الصادرة من «دار المراجعة الشرعية»، الحاصلة على ترخيص من مصرف البحرين المركزي بصفتها شركة استشارات شرعية مرخصاً لها بإصدار شهادات التوافق الشرعي، وذلك بعدما أقرت «دار المراجعة الشرعية» بأن خدمات البيع والشراء وخدمات الحفظ تتوافق مع ضوابط ومبادئ الشريعة الإسلامية.

والسؤال الرئيسي هو: كيف سيحقق المنظمون التوازن المناسب بين تنظيم قطاع الأصول المشفرة لحماية المشاركين في هذا القطاع (كالمستهلكين والمستثمرين) دون الإفراط في تنظيمه من جهة، وإعاقة الابتكار من جهة أخرى.

في أكتوبر 2018، قامت مجموعة العمل المالية (FATF) بإصدار دليل إرشادي محدّث حول الأصول الافتراضية (VA) ومزودي خدمات الأصول الافتراضية (VASP). وتفرض توجيهات المجموعة على مزودي خدمات الأصول الافتراضية، مثل شركات تحويل الأصول المشفرة، جمع ومشاركة المعلومات الشخصية خلال التعاملات بشكل مشابه لما يسمى «قاعدة السفر» في النظام البنكي. باختصار، يجب على مزودي خدمات الأصول الافتراضية الحصول على معلومات كلا طرفي التعامل عند تحويل الأصول الافتراضية، وإتاحتها للسلطات المعنية عند الطلب. 

وبما أن تعاملات الأصول المشفرة تحدث بين عناوين عامة، فمن الصعب في أغلب الأحيان تحديد المالك الحقيقي لهذه العناوين، ما يجعل تطبيق قاعدة السفر لمجموعة العمل المالية أمراً صعباً.

كما أن تطبيق توجيهات مجموعة العمل المالية على شركات التحويل اللامركزية أو منصات التعامل من طرف إلى طرف أمر صعب، حيث إنها لا تحتوي على نقطة اتصال مركزية ذات تحكم أحادية الجانب، ما يجعل تنظيمها أمراً صعباً. يعود هذا إلى أن مزودي خدمات الأصول الافتراضية اللامركزيين لديهم عدد كبير من جهات الاتصال (التي يشار إليها غالباً باسم العقد) الموزعة في نطاقات قانونية مختلفة، بحيث يعتمد التحكم في المزود بناء على نموذج إجماع الأغلبية.

كما أن حيازة الأصول المشفرة تصبح معقدة عندما تصبح هذه الأصول على نظام «بلوك تشين»، وتصبح ملكية الأصول أو إمكانية الوصول إليها محصورة في من يمتلك المفتاح الخاص، بدون ضرورة وجود أي إثبات أو سجل آخر. بالمقارنة، فإن الأصول التقليدية ترتبط بسجل مركزي أو قاعدة بيانات مركزية تحدد المالك، ما يجعل من السهل منح الحيازة بدون نقل الملكية، على عكس الأصول المشفرة.

ونحن نعتقد أنه على المنظمين في دول المنطقة أن يكتسبوا بسرعة، ما يكفي من المعلومات حول الأعمال والتكنولوجيا التي تعتمد عليها الأصول المشفرة. من إحدى طرق التعلم هذه، ما يطلق عليه اسم «صندوق الرمال»، حيث تفتح أمام الشركات بيئة آمنة لاختبار أعمالها، وتتاح أمام المنظمين فرصة العمل والتعلم من الشركات، وهذا ما تم تطبيقه من قبل مصرف البحرين المركزي الذي يعتبر نموذجاً يحتذى في هذا المجال.

*رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"