ثــلاث نظريــات متنافســة حــول النمــو

21:28 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

طرح توماس کوهن «Thomas Kuhn» في كتاب «بنية الثورات العلمية» سؤالاً باختصار، إذا افترضنا أن بعضاً من الشباب المدربين تدريباً جيداً والذين يعملون في النظم، وكانت لديهم أفكار كبيرة خطرت على بالهم ليلاً، وتقدموا بعرض تفسير جديد لإحدى المشاكل التي كانت مستعصية على الحل حتى ذلك الوقت. كيف يمكنهم، وماذا عليهم أن يفعلوا، ليحولوا المهنة بأسرها.. إلى طريقتهم لرؤية العلم والعالم؟

بحلول عام 1998 كانت ثورة تزايد العوائد في أيدي نواة صلبة من القادة الذين التزموا باتباع منطق التغذية الاسترجاعية الإيجابية في نماذج التوازن العام إلى أي مكان يقود إليه - وكان من بينهم «بول كروجمان» و«بول رومر» و«هيلبمان» و«جروسمان» الذي كان يرأسهم. (كان منهجاً بديلاً للتخصص وتزايد العوائد

كان قد مر عشرون عاماً على تورط الاقتصاد في الجدل، بدأت المرة الأخيرة مع بداية ثورة التوقعات الرشيدة. كانت هناك اكتشافات لابد أن تكتشف وسمعة طيبة لابد أن تكتسب. كانت الأفكار الحديثة بمثابة الشراب المقوي والمنشط للشباب.

كان قد تم توظيف النماذج الجديدة لنمو المعرفة في حملة تشبه التنقل بين الجزر في حملة عظيمة. كالعمل على زرع علم للتطبيق هنا، وعرض أهمية ما هناك، وإنشاء منطقة للتدريج، والانتهاء بعمل عرض مقنع. وكانت الأسباب المعطاة لتفضيل العمل الجديد هي الأسباب المعتادة. فقد عرضت هذه النماذج مشاكل لم يستطع النمو القديم أن يتعامل معها ويقوم بحلها، وتوقعت مشاكل لم يدركها النمو القديم. وقد أوضحت ما كان غير واضح في السابق. وسرعان ما ذهب أذكى الفتيان في الاقتصاد الكلي إلى العمل، لاستقصاء العلاقة بين الحجم والتخصص.

كان نمو المدن هو أحد الامتدادات الأولى للنظرية الجديدة. ما هو السبب الذي أدى إلى عمل المدن؟ وما هو سبب استمرارها؟ ولماذا ظهرت المدن في المقام الأول؟ بالرغم من وضوح هذه الأسئلة فإن الإجابات كانت غير واضحة وغامضة بشكل كبير. وكما أشار روبرت لوكاس: «إذا قمنا بالتسليم بالقائمة المعتادة من القوى الاقتصادية وحسب، فإن المدن يجب أن تمزق إلى أجزاء».

وفي جامعة شيكاجو تقدم طالب شاب في الدراسات العليا يدعى إدوارد جلاسير Edward Glaeser إلى جوزيه شينكمان بعرض. كان جلاسير حديث التخرج من كلية برينستون. وكان قد تعلم هناك اقتصاديات تزايد العوائد من «شليفر». لماذا لا يتم استنباط اختبار لعرض لوكاس حول المدن وتزايد العوائد؟ وإذا كان انتشار المعرفة بالأهمية التي اعتقدها هو ولوكاس ورومر، فلا بد من وجود طريقة لعرضه عن طريق مقارنة معدلات نمو المدن الكبرى. وعرف جلاسير بمعاونة أستاذيه تشينكمان وشليفر ثلاث نظريات متنافسة حول النمو كانت في ذلك الوقت موضوع الدراسة.

كانت الأولى قصة حول التركيز. فشركات مثل «إيستمان كوداك» بقيت في مكان واحد، ونمت وكبرت، وازدهرت لأنها أنفقت مزيداً ومزيداً من الأموال لتتعلم كيف تفعل الأشياء القديمة بصورة أفضل وكيف تصبح الأولى في صنع الأشياء الحديثة. وكانت التداعيات هي أن الاحتكار كان جيداً بالنسبة للنمو، لأن المؤسسات الكبرى لديها الأموال التي تمكنها من الإنفاق على البحث والتطوير ولديها قدرة على منع تدفق الأفكار، ولديها قدرات تسويقية كافية تمكنها من جني ثمار استثماراتها في البحث والتطوير. وتعود هذه الرؤية إلى «شومبيتر».

أما القصة الثانية فقد أكدت على المنافسة بين الصناعات. وأطلق «جلاسير» عليها قصة «مایکل بورتر» Michael Porter، على اسم استراتيجي الأعمال المشهور. وأثار «بورتر» الجدل في كتابه «المزايا التنافسية للدول» أن الاحتكار لم يكن هو السبب في تعزيز النمو، ولكن المنافسة المحلية القوية المعتمدة على التكنولوجيات المشتركة بين الشركات العاملة في نفس الصناعة - «العناقيد» «Clusters» وفقاً لتسمية «بورتر». ومن المتوقع أن تدخل مدن الشركات مثل «ديترويت» أو «بتسبرج» في حالة من الركود، في حين أن المحليات مثل وادي السيليكوين «سيليكون فالي»، التي من المعتاد فيها وجود حالات تجسس، وتقليد وتحول في الوظائف، ومئات من المؤسسات المتنافسة مع بعضها، فمن المتوقع بالنسبة لها أن تعزز من عملية الاستمرار في الاستفادة من المزايا المتاحة.

وكان المفتاح الرئيسي في القصة الثالثة هو التنوع الصناعي. بدلاً من التخصص، لأنه على ما يبدو أن أكثر انتقالات المعرفة أهمية عادة ما تأتي من خارج الصناعة الأساسية.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"