أوكرانيا ومخاوف أوروبا

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

لا تخلو يوميات الحرب الأوكرانية من مواقف ومؤشرات، تؤكد أنها معركة فاصلة بين عالمين؛ أحدهما يتداعى، والثاني بصدد التشكل، ولا يبدو  إلى الآن  أن هناك خياراً وسطاً أو طريقاً للعودة إلى الوراء، فكل الأطراف المتصارعة على القمة تتقاتل بمختلف أنواع الأسلحة، وتستخدم مدفعية إعلامية ثقيلة، وتوظف ذخائر قديمة من أرشيف الحروب السابقة في القرن العشرين وقبله، من عهد نابليون إلى حربي فيتنام وأفغانستان الأولى.
 وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، كممثل لطرف أساسي في هذا الصراع، شخّص الحالة بتأكيده أن «الوضع الراهن متأزم، والمعركة مستمرة، لتحديد النظام العالمي الجديد»، وسبقه إلى ذلك الكثير من الخبراء والمؤرخين ممن أثبتت دراساتهم أن تأبيد أي حالة، يعد أمراً مستحيلاً، وأن التغيير آتٍ لا محالة. وكل من يعد أن هذه اللحظة فاصلة وبداية عهد جديد، فهو يعبر عن منطق الأحداث الجارية التي تتلاحق وتخبئ كثيراً من المفاجآت والأزمات. 
 لم يكن غريباً أن تندلع أزمة بهذا الحجم في أوروبا، على الرغم من أن الجميع توهم بأن القارة، التي تشكل على أرضها العصر الحديث، بلغت درجة عالية من الأمان والازدهار، وأنها لن تعرف الصراع بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما سارع قادتها منذ خمسينات القرن الماضي إلى صهر الخلافات الحيوية بين دولها في السوق الأوروبية المشتركة، ثم بالاتحاد الأوروبي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي أخذ يتمدد شرقاً بالتوازي مع اتساع حلف شمال الأطلسي، الذراع العسكرية للقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة. 
 ولكن يبدو أن كل ذلك كان مؤقتاً، ومجرد حقبة من الحقب. ولأن الحروب تفجرها أخطاء استراتيجية، فإن استخفاف بعض الدول الأوروبية بروسيا الاتحادية، وتجاهل استحقاقاتها الأمنية والجيوسياسية، قاد إلى الكارثة في أوكرانيا. وعلى الأرجح فإن هذه ستكون بداية الطريق، إذا تمادى التعامي الغربي على المتغيرات المتسارعة، وعلى الرغم من أن الأوروبيين يدركون حجم المخاطر الكبيرة الناجمة عن هذه المعركة، فإنهم يستخدمون كل ما أمكن من أدوات ضغط وعقوبات مجلجلة ودعم عسكري، علّ روسيا تفشل في مهمتها العسكرية، وتعود خائبة إلى قواعدها.
 عندما يقول أكثر من مسؤول غربي: «إن انتصار روسيا العسكري والسياسي في أوكرانيا سيقوض الأمن الأوروبي وربما يعيده إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى»، تبدو هذه المخاوف مشروعة ولها ما يبررها؛ إذ هناك الكثير من الأزمات المكبوتة، خصوصاً في أوروبا الشرقية، مخبأة تحت الأرض مثل القنابل النووية، وإذا انفجرت إحداها فلن تتوقف، ولن تبقي الوضع على حاله. ومنذ بداية التسعينات، هناك تساؤلات معلقة، وتنتظر إجابات عن تفكيك يوغسلافيا، وانقسام تشيكوسلوفاكيا، وجر دول البلطيق وبعض الدول السوفييتية السابقة جراً إلى التكتل الأوروبي وحلف «الناتو» وصولاً إلى سيناريوهات «الثورات الملونة» التي اعتبرت روسيا جائزتها الكبرى. وهذه الأسئلة، كل واحد منها قد يمثل عنوان أزمة وحرب، والإجابة عنها ليست بالسهولة، لأنها قد تعبّر عن أحداث اليوم التالي بعد أوكرانيا؛ لذا لا يرغب الأوروبيون والأمريكيون لذلك اليوم، بالمعنى السياسي، أن يأتي؛ لأنه سيثير مشاكل، ربما ليست في حسبان هذه الأجيال، لكنها في أجندات الدول حاضرة وجاهزة للتفجير، وإن ظلت خامدة قروناً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"