الفيزياء أمّ المواد العلمية والبحثية منذ القرون الوسطى

الفيزياء هي أم المواد العلمية والبحثية في شتى المجالات، وهي التي قادت البشرية في مسيرتها التقدمية منذ القرون الوسطى، حتى الآن، بفضل النظريات الفيزيائية التي

لا تزال تظهر كل فترة، لتعلن انتصاراً جديداً للإنسانية يأخذها إلى مستويات أعلى في التقدم والمدنية.

ولا تظهر هذه النظريات الرائدة من فراغ، وإنما تأتي نتيجة الأبحاث المستمرة والدراسات المتعمقة للظواهر الطبيعية، والجهود الخارقة للعلماء والباحثين، لدراستها وتحليلها والسيطرة عليها، ثم استغلالها في مجالات التطبيق الواسعة، بواسطة العقول العلمية التي تعكف على ابتكار الأجهزة والآلات والمعدات التي تعمل وفق هذه النظريات، فتخرجها من أوراق البحوث المنشورة، ومن التجارب المعملية إلى الحياة العملية، في صورة أجهزة يستفيد منها أنواع البشر كلهم دون تفرقة عنصرية أو دينية أو جغرافية أو غيرها، ويكفي أن نشير إلى استخدام أجهزة الهاتف ثم التلفاز أو استخدام أشعة إكس وأشعة الليزر أو استخدام أجهزة الاتصالات وتكنولوجياتها المتقدمة أو الحواسب الآلية وإمكاناتها المذهلة.

معرفة تاريخية

وفي هذا الكتاب وعنوانه: «الفيزياء في عصورها الأولى» يقدم جورج جامو المعرفة التاريخية المرتبطة بنشأة الفيزياء وتطورها، بهدف المساعدة على اجتذاب عدد من القراء للدراسة العلمية، عن حب واستمتاع، فالقراءة العلمية تعرض دائماً أفكاراً سهلة متوسطة وأفكاراً متقدمة، فهناك نوعان من الكتب التي تظهر في مجالات الفيزياء، أولهما كتب المناهج الدراسية التعليمية التي تستخدم في تدريس الفيزياء، والنوع الثاني هو الكتب التاريخية التي تركز على تفصيلات حياة العلماء والباحثين وسماتهم الشخصية ونظريات كل منهم في التخصصات المختلفة.

وفي هذا الكتاب الذي ترجمه إلى العربية د. إبراهيم فوزي، حرص المؤلف على أن يسلك طريقاً وسطاً بين هذين النوعين، فسجل محاولات جاليليو أثناء تأمله لحركة البندول ثم سجل قوانين الحركة الأساسية التي توصل إليها من محاولاته، ويدور كل باب من أبواب الكتاب حول شخصية واحدة أو شخصيتين من العلماء المشهورين مع عدد من الفيزيائيين الذين ظهروا معهم في نفس الفترة، وإنجازاتهم التي تشكل الخلفية العلمية لهما، ويعني هذا عدم الإشارة إلى أسماء كثيرة لعلماء تذكرهم الكتب التي تختص أساساً بتاريخ الفيزياء.

أساليب تفكير جديدة

إن مستقبل الفيزياء يعتمد على المزيد من الدراسات والفهم للجسيمات الأولية وتركيباتها وتفاعلاتها، وبينما تستمر التجارب العملية والمختبرية في مسيرتها الحثيثة بدأب لا يهدأ نجد أن النظريات تتقدم ببطء في حالة انتظار وترقب لما تسفر عنه نتائج تلك التجارب، وتوضح النظرية الشاملة للفيزياء أن ديموقريطس طرح أفكاره بشأن تكون المادة من جزيئات متناهية الصغر ومنفصلة عن بعضها بعض من 2500 سنة، وها نحن بعد قرون طويلة نجد أنفسنا في حالة اقتناع أكثر وأكثر بصحة هذه الأفكار، رغم أنها ظهرت في الزمن القديم، بدون أي خلفيات علمية أو تجارب مختبرية.

استعرض جورج جامو في هذا الكتاب أهم الأحداث التي مثلت مراحل التحول التاريخية في علم الفيزياء، وهي مراحل تمخضت عن معارف وأساليب تفكير جديدة، تطورت بعد تطبيقها، لتشكل عناصر أساسية في بنية المجتمعات الحديثة، من أجهزة ومعدات وتقنيات لا يخلو منها تجمع حضاري في مشارق الأرض ومغاربها، وقد آثر جامو في كتابه هذا أن يجمع بين الحديث عن تلك الأحداث والترجمة لمن أحدثوها من علماء.