في الحرب البيولوجية

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

حرب الاتهامات بين موسكو وواشنطن حول مسألة المختبرات البيولوجية التي اكتشفتها روسيا في المناطق الأوكرانية التي سيطرت عليها أو تلك التي تسعى للسيطرة عليها مثل أوديسا وكييف، تكشف أنّ العالم ليس فقط على أعتاب حلقة جديدة من الجنون؛ بل نحن على حافة الجنون المطلق فعلياً.
 التأكيد الروسي والإنكار الأمريكي، لا يتعلق هنا بخصومات سياسية عادية؛ بل بمختبرات بيولوجية وجرثومية تعمد بحسب البيانات الروسية على نشر الأوبئة - وربما كان فيروس كورونا هو أحد نتاجاتها- على نطاق عالمي في إطار حرب المصالح 
والضغط المتبادل بين القوى العظمى والتي تتحضر في زمن السلم أو الحرب الباردة أو الخفية إلى يوم النزال العظيم الذي سيقود حتماً إلى فناء البشرية. 
 أفريل هاينز مديرة الاستِخبارات الأمريكيّة اعترفت قبل أسبوع بصحّة الاتّهامات الروسيّة التي تقول: إن بلادها تُشرف على برامج إنتاج أسلحة بيولوجيّة في أوكرانيا، وقالت: إنها تُشغّل أكثر من عشرة مُختبرات بيولوجيّة مُرتبطة بمشروعات عسكريّة دفاعيّة وصحيّة، مُشيرةً إلى أن الحُكومة الأمريكيّة قدّمت لكييف مُساعدات في مجال السّلامة البيولوجيّة.
 مثل هذا الاعتراف يثبت أنّ التخوفات الروسية في محلّها وتعطي أبعاداً أو جذوراً غير تلك المتعلقة بالنزاع على مصادر الطاقة، فالأمر في هذا الحالة بات يتعلق بالوجود الروسي والإنساني في عمقه. وعليه فإنّ رفض الرئيس بوتين الإنصات إلى الغرب، يمكن قراءته، ضمن أفق جديد يتعلق بدحر الخطر «الجرثومي» عن حدود روسيا الفعلية إلى أبعد ما يكون، ولا غرابة أن تصبح الحرب متعلّقة لا بالمسارات الآمنة لتأمين خروج اللاجئين من مناطق النزاع؛ بل بتأمين مسارات آمنة لعبور الطيور المهاجرة، باعتبارها باتت تمثل سلاحاً جديداً في نشر الأوبئة، وربما يُقرأ الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا من هذه الزاوية على أنه صراع ممتد في زمان حتى تنتهي حركة الطيور المهاجرة في الزمان والمكان، وعندها سيجتمع الفرقاء على الطاولة، لبحث مصير الكوارث الإنسانية التي تطلبها العبور الآمن للطيور المهاجرة. 
 اللواء إيغور كوناشينكوف المتحدّث باسم وزارة الدفاع الروسيّة، قال: إن الهدف من هذه الأبحاث البيولوجيّة التي تُموّلها وتدعمها أمريكا في أوكرانيا، هو إنشاء آليّة سريّة لنشر مُسبّبات الأمراض الفتّاكة عن طريق الطّيور البريّة المُهاجرة والخفافيش والزّواحف. ويؤكد الروس أنّهم عثروا على وثائق في المختبرات التي بسطوا عليها سيطرتهم، تثبت وجود دراسات على حركة الطيور المهاجرة وأماكن اتجاهاتها ومساراتها وأزمنة تحركها، ما يدل على أنها وسيلة فاعلة في نشر الأسلحة الجرثومية في الأراضي الروسية وفي غيرها من مناطق العالم. كما أكدت وزارة الدفاع الروسية، القبض على الطيور المرقمة التي تم إطلاقها من المختبرات البيولوجية في أوكرانيا في منطقتي إيفانوفو وفورونيج الروسيتين.
 إلا أن الأمريكيين ينكرون دوماً مسؤوليتهم عن هذه الاتهامات، ويذهبون إلى أنّ الروس يريدون بث الشائعات لتبرير هجومهم على أوكرانيا. ولكن لسائل أن يسأل هل الروس بدورهم أبرياء؟ أليسوا هم أيضاً على درجة متقدمة من التطور في برامج التسلح الجرثومي، وإذا كانت أمريكا قد جربت هذا النوع المحرم دولياً في حربها على العراق، فهل يمكن تبرئة روسيا والقول إنها تحترم المعايير الدولية؟
لا شيء يمكن القطع بصحته، لأن عالمنا اليوم هو عالم جنون العظمة والغطرسة. 
 فالقوى المتدافعة في أوكرانيا، هي «فوق الحساب» ومهما فعلت تجاه الشعوب الأخرى، فإنها بمنأى عن الحساب والعقاب على الرغم من ثبوت الجرائم. ومسألة الحروب الجرثومية أو الوبائية هي من الأمور التي لا يمكن اكتشافها إلاّ إذا تخاصم اللصّان كما يقال في المثل العربي. لكن ألا يحق للشعوب المغلوبة على أمرها أن تتحالف في هيئات خاصة للدفاع عن مستقبل البشرية في ظلّ جنون القوى المتدافعة؟ أليس الحرّي بنا أن نصدق الآن تلك الأصوات التي تتحدث عن مؤامرة فيروس «كورونا»، باعتباره خدعة من خدع الإمبريالية العالمية للتلاعب بمستقبل الإنسانيّة؟ ثم إلى أين يمكن أن تمضي هذه الحرب الآن في ظلّ التحدّي البيولوجي؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"