عادي
أول عروض أيام الشارقة المسرحية

«جمر القلوب».. دعوة إلى الحب والتسامح

23:30 مساء
قراءة 5 دقائق
3
مهرجان أيام الشارقة المسرحية/ تصوير محمد الطاهر/١٧/٣/٢٠٢٢

الشارقة: علاء الدين محمود

في أول عروض مهرجان أيام الشارقة المسرحية، شهدت قاعة إفريقيا، أمس الأول الخميس، عرض «جمر القلوب»، لفرقة مسرح الفجيرة، تأليف محمد المهندس، وإخراج سعيد الهرش، وشارك في التمثيل: سميرة الوهيبي التي جسدت شخصية «أم حوراء»، وعبد الهرش «مهاب»، وبلقيس البلوشي «حوراء»، ومحمد عبدالله اليعربي «زيب»، وجاسم محمد المراشدة «الشيخ عامر» ونخبة من النجوم.

جاء العمل بثيمة الانتقام والثأر في فضاء البادية حيث الحياة القبلية، وينفتح على حكاية «حوراء»، وهي فتاة شديدة الجمال والذكاء، تخلّقت بأخلاق البدو، وتشبّعت بطباعهم، حيث تسيطر عليها فكرة الثأر من قاتل أبيها «الشيخ عامر»، الذي لا يُعرف قاتله على وجه التحديد، غير أن كل الدلائل تشير إلى أحد شيوخ العشائر المجاورة، وهو «مهاب»، وتظل فكرة الثأر تسيطر على حوراء تماماً، وتلغي معها كل ما هو منطقي، حيث إن الأحقاد والضغائن ظلت تكبر في داخلها منذ أن كانت صغيرة، خاصة أنها شاهدت جريمة قتل والدها، ولأن السنوات طالت على تلك الواقعة فقد ضاعت عنها معالم القاتل، ولكن طيف الحادثة لم يفارق ذهنها أبداً، خاصة أن والدتها «أم حوراء» ظلت تذكّرها على الدوام، وتغذّي بداخلها الرغبة المجنونة في الانتقام وطلب الثأر من قاتل أبيها.

تستمر أحداث العرض وبطريقة درامية تنشأ علاقة حب غريب بين الفتاة طالبة الثأر، ومهاب زعيم العشيرة المتهم بالقتل، وربما ما قاد إلى ذلك الموقف أن لقاءات كثيرة جمعت بين مهاب وحوراء ووالدتها، ففي كل مرة كان مهاب يزور مضارب قبيلة الشيخ عامر من أجل التودد إلى الفتاة وطلب يدها، وكذلك ليطرح فكرة ضرورة توحيد القبائل لكي يعم بينها السلام، خاصة أن الجميع أبناء عمومة، وكان لمهاب ابن عم يطمع هو الآخر في ودّ الفتاة حوراء، وظل يلقي في روعها أن مهاب هو قاتل والدها كي يفوز بها، فطلبت منه حوراء أن يكون مهرها رأس مهاب، وهي المهمة التي فشل فيها ذلك الشاب «زيب»، وبرغم ذلك كانت الفتاة تجد نفسها تميل أكثر إلى «مهاب» لتتزوجه ضد رغبة والدتها، رغم الشكوك التي بداخل حوراء، فقد كانت موقنة في قرارة نفسها بأن مهاب هو قاتل والدها، لتخبر والدتها أنها ستقتله بعد أن تتزوجه.

وتمر الأيام، لتظل فكرة القتل مؤجلة إلى أن حملت حوراء وأنجبت فتى أطلقوا عليه اسم عيسى، ليجنّ جنون الأم التي قررت أن تنتقم لمقتل زوجها وحدها بعد أن يئست من ابنتها، فتتسلل إلى غرفة مهاب وهو نائم، وتسدد طعنات قاتلة، ولكن بدلاً من أن تصيب جسد مهاب، كانت، للأسف الشديد، من نصيب الطفل عيسى، ليعيش الجميع في حزن وألم شديدين، ويأخذ العرض طابعاً بكائياً أكثر سخونة، وتعيش الفتاة ووالدتها لحظات من الألم العنيف وكل منهما تندب حظها، حيث ظلت البنت تلوم والدتها على قتل عيسى، بينما كانت الأم تدفع بأنها لم تكن تدري بأن طعناتها أخطأت هدفها لتصيب الطفل، بل وظلت تلوم ابنتها على ترددها الطويل في الانتقام من زوجها مهاب.

أسرار

تلك المأساة التي حلت بالأسرة لم تكن نهاية القصة، فقد تكشفت أسرار جديدة، عندما تواجَه كل من مهاب وحوراء ووالدتها في ساعة غضب عقب مقتل الطفل، حينها أقر مهاب بأنه هو الذي قام بقتل الشيخ عامر والد حوراء، لكنه لم يفعل ذلك بلا سبب، فقد كانت هناك مأساة أخرى وراء ذلك الفعل، إذ شاهد مهاب بعينه الشيخ عامر وهو يغتصب والدته، مؤكداً لهما أن الشيخ عامر كان بلا رحمة، ولا قيم، ولا أخلاق، ولكنه رغم ذلك أحب ابنته وسعى للزواج منها رغم كل شيء، ومع تلك الاعترافات بدأت مشاعر غامضة تصيب الجميع، هي خليط من الغضب والندم والحزن والشعور بالخذلان.

رؤية إخراجية

على الرغم من أن حكاية المسرحية تتحدث عن الانتقام والثأر والقتل، ورغم أن العرض قد غرق كثيراً في البكائيات المستمرة، إلا أن العمل يحمل دعوة ضمنية لنبذ العنف والتخلي عن فكرة الانتقام ومن العادات والتقاليد البالية وضرورة خلق واقع جديد، كما أنه يتضمن دعوة للتسامح والعيش في سلام، وكذلك يشير في كثير من معانيه إلى أن هناك دائماً حقيقة مخفية، وأن الأفراد يتصرفون تجاه الآخرين، وعلى الرغم من فكرة النص قد طرحت كثيراً، فقد عمل سعيد الهرش على تحميل العرض بالعديد من الرؤى.

حوارات ذهنية

العرض عبارة عن بكائية مستمرة من البداية وحتى النهاية، يعتمد على قصة تقليدية، لكنه يحفل بالمعاني، وقد استعان المخرج على تمرير تلك الحالة المأساوية والقاتمة بحوارات ذهنية، كما اعتمد من أجل وضع رؤية مسرحية مختلفة للحكاية التقليدية، على اللعب على توظيف الإضاءة والسينوغرافيا والديكور وبقع الضوء، في محاولة للخروج من التقليدية والتكرار في مثل هذا النوع من العروض، لكن العامل الأساسي الذي قاد إلى نجاح العرض هو الأداء التمثيلي، وبصورة خاصة من العناصر النسائية، وكان هناك تفاهم كبير بين حوراء ووالدتها على خشبة المسرح لتفلحا في تقديم أداء رفيع، حيث أدركت كل من الممثلتين أبعاد الشخصيتين، كما استعان المخرج كذلك بالموسيقى الشعبية وبتشكيلات ديكورية تشير إلى الحياة البدوية، وكذلك احتشد العرض بالأشعار والمواويل، حيث كانت اللغة المستخدمة في الحوارات أقرب إلى الشاعرية.

أفكار

جاء العرض محتشداً بالرؤى والأفكار ووجهات النظر المتباينة من خلال الحوارات العميقة بين الممثلين، فقد طرح الكثير من الأسئلة حول المجتمعات التقليدية، وما يدور فيها من علاقات، وكيف يمكن أن يحل التسامح والرغبة في السلام بدلاً عن الحروب وإرادة الانتقام؟ وهل بالإمكان صناعة مجتمع جديد قائم على المحبة؟ وما هي العوامل التي تتحكم في طبيعة الإنسان ونزوعه نحو الخير أو الشر؟ ومدى مسؤولية ودور البيئة في صناعة القيم المعينة داخل الإنسان؟ وهي أسئلة تنساب من خلال العرض في حواراته ومجادلاته المستمرة، فقد أراد العمل أن يوصل رسالة تحض على ضرورة التسامح وحب الخير، فالحقد والانتقام لا يفعلان شيئاً سوى جعل الحياة صعبة وقاسية تحوّل الجميع إلى أعداء.

ندوة نقدية

في الندوة النقدية التطبيقية التي تلت العرض، بإدارة محمد سيد أحمد، أشاد المتداخلون من النقاد والمسرحيين بفكرة النص والحلول التي قدمها المخرج، مشيرين إلى وجود بعض الاختلالات التي صاحبت العرض من حيث توظيف الإضاءة والسينوغرافيا والموسيقى، وقدموا إشادة خاصة بالعناصر النسائية المشاركة، «سميرة الوهيبي»، وذكروا أن المخرج مطالب ببذل جهد أكبر لمعالجة الكثير من النقاط الفنية، فيما أبدى مخرج المسرحية سعيد الهرش ترحيبه بكل الآراء التي قدمت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"