عادي
ينتصر للأفلام العائلية الإنسانية المريحة والمحببة

«مشروع آدم».. خيال علمي بهالة رومانسية

11:15 صباحا
قراءة 4 دقائق

مارلين سلوم

متعة المشاهدة العائلية بلا قلق من وجود أفكار مسمومة وتشوهات في أخلاق بعض الشخصيات، هي أكثر ما نفتقده في الأفلام التي تعرض حديثاً حتى بتنا نتوجس من متابعة أي فيلم جديد، خصوصاً على منصة «نتفليكس»، قبل التأكد من سلامة مضمونه وخلوّه من أي توجّه فكري شاذ، لكن هذه المرة خالفت المنصة التوقعات وقدمت فيلماً أمريكياً جميلاً وممتعاً: «مشروع آدم» أو «ذي آدم بروجيكت» احتل سريعاً صدارة الأكثر مشاهدة، واستطاع أن ينتصر للأفلام العائلية المريحة المحببة لمختلف الأعمار والتي تحمل أفكاراً إيجابية ومنطقاً مقبولاً رغم انتمائها للخيال العلمي المغلف بهالة من الرومانسية والمشاعر الأسرية الجميلة.

منذ سنوات بعيدة والسينما العالمية تعرض أفلاماً عن السفر عبر الزمن، مشغولة هي بالقفز إلى المستقبل ليس بهدف تقديم رؤية عن شكل العالم وما سيكون عليه بقدر ما هو سعي للعودة إلى الماضي من أجل تحقيق هدف واحد وهو تصحيح خطأ ما أو تغيير مصير أحد الأشخاص وتحذيره من خطر ينتظره. ولأول مرة، نجد فيلماً ينطلق من المستقبل، وتحديداً عام 2050، ليعود إلى الماضي سعياً وراء نفس الهدف: تصحيح مصير وخطأ، لكنه يصحح النظرية كلها ويعمل على إلغاء مشروع السفر عبر الزمن، ويرفض تغيير مصير أحد ليترك للأقدار أن تلعب دورها وتصير الحياة بشكل طبيعي كما يجب أن تكون. لذلك، ولأسباب تقنية وفنية أخرى، يعتبر فيلم «مشروع آدم» جيداً وناجحاً، وتستمتع بمشاهدته بلا أي لحظة ملل.

نجاح أكبر

سبق أن شاهدنا ثمرة التعاون الناجح بين المخرج شون ليفي والنجم رايان رينولدز في فيلم الخيال العلمي أيضاً «فري جاي» الذي عرض العام الماضي. وهذه المرة يحققان نجاحاً أكبر في «مشروع آدم» تأليف جوناثان تروبر، تي إس نولين وجينيفر فلاكيت، حيث يجتمع الخيال العلمي مع التشويق والحس الفكاهي والمشاعر النبيلة. وللبطلين الرئيسيين رايان رينولدز والطفل ووكر سكوبل دور كبير في إنجاح الفيلم، لشدة انسجامهما في العمل معاً وتقديمهما مشاهد متطابقة ليجسدا فعلاً شخصية واحدة للبطل آدم، إنما في مرحلتين عمريتين مختلفتين، واحدة وهو طفل في العام 2022 وأخرى وهو شاب في العام 2050. الأداء مميز، دور المخرج هنا واضح في تسريع الإيقاع خلال لقاء «الآدمين الكبير والصغير» لأول مرة، طريقة حديثهما وحركاتهما ونظراتهما. لذا لا بد من فهم القصة وأحداثها باختصار ودون حرق المراحل والتفاصيل كي لا نسرق متعة المشاهدة ممن لم يتابعه بعد.

يبدأ الفيلم بعبارة «السفر عبر الزمن موجود لكنكم لم تعرفوا ذلك بعد»، ثم نرى الطيار آدم ريد (رايان رينولدز) يسرق طيارة أشبه بسفينة فضائية وتحاول امرأة تدعى مايا سوريان (كاثرين كينر) منعه. نكتشف أنها مليارديرة «شريرة» يتهمها آدم بقتل زوجته لورا (زوي سالدانا)، لذلك يحاول السفر من العام 2050 إلى العام 2018 كي يمنع حدوث ذلك ويوقف مشروع والده العالِم لويس (مارك روفالو) والذي اكتشف آلية السفر عبر الزمن، وكانت تعمل معه مايا سوريان قبل أن تسيطر وتتحكم بكل شيء دون علمه. تدور معركة بين آدم ومايا يصاب على أثرها برصاصة ويجد نفسه عن طريق الخطأ في العام 2022، لكنه في المكان الصحيح، في الغرفة الجانبية لبيت والديه.

في هذه الأثناء نشاهد الطفل آدم (ووكر سكوبل) يتشاجر في مدرسته مع زميلين له تنمّرا عليه، وهي المرة الثالثة التي يتم فيها استدعاء والدته بسبب مشاجرات من هذا النوع، ونكتشف أن آدم يعاني أزمة ما منذ عام ونصف العام، أي منذ رحيل والده بحادث سيارة. في هذه الليلة يحدث ما لم يتوقعه هذا الطفل، إذ يسمع ضجة ما خارج المنزل فيخرج مع كلبه يتفقد المكان، خصوصاً أن والدته خرجت في موعد عشاء وتركته وحيداً، ثم تكون المفاجأة واللقاء الرائع بين آدم الكبير وآدم الصغير.

اكتشاف الذات

ميزة الفيلم أنه جعل كل حوارات البطل مع نفسه بين مرحلتي الطفولة والكبر، هو حوار اكتشاف للذات وعلاج لألم لم يستطع آدم فهمه أو تجاوزه رغم مرور الزمن، ومن خلال هذه الرحلة يتمكن آدم من فهم علاقته بوالده وإحساسه نحوه، حيث تعامل مع وفاة الأب بغضب لا بحزن، ما جعله ناقماً طوال الوقت، وفي نفس الوقت ضعيفاً يخاف مواجهة زملائه بدنياً ومنعهم من التنمّر عليه. استطاع تنبيه أمه (جينيفر جارنر) إلى ضرورة إبراز حزنها الحقيقي على رحيل والده وهو طفل، بدل أن تدعي أمامه القوة وبأنها تجاوزت حزنها وكأن رحيل الزوج والأب لم يعد يعني لها، ما جعل آدم الصغير يسيء فهمها وخلق فجوة بينهما.

الفيلم غني بالمؤثرات الخاصة والتقنيات العالية ومشاهد الحركة والقتال المصنوعة بشكل جيد للغاية، ورغم ذلك عرف كيف يمشي منذ المشهد الأول وحتى النهاية على خطين متوازيين: الخيال العلمي والتقنيات والمعارك من جهة، والمشاعر الإنسانية والحياة العائلية وأهميتها وطغيانها على الرغبة العلمية وفكرة الانتقال بالزمن.

الفيلم انتصر للحياة الطبيعية ومسارها الحقيقي دون أن يقلل من شأن العلم وأهمية الاختراعات، بل وضع العلم في خدمة الإنسان والقيم الإنسانية وليس العكس.

يترافق آدم الصغير وآدم الكبير مع بعضهما ليعودا بالزمن إلى العام 2018 من أجل رؤية والدهما، هنا نتوقع أن يمنعاه من ركوب سيارته كي يحولا دون رحيله، لكن آدم الكبير يمنع الصغير من قول الحقيقة لأبيه، والطفل لا يتمكن من كتمان السر طويلاً ورغم ذلك يمنعه والده من قول الحقيقة له، فمنذ أن رأى ابنه أمامه بمرحلتين عمريتين مختلفتين فهم الأب وتوقع ما حدث، وفهم أيضاً أنه بلا شك سيموت، ويسعى الثلاثي إلى منع مايا من استكمال مخططها، والأهم أنهم سيمنعون الآلة من تغيير خريطة البشرية وخلخلة نظام الكون والحياة لأن «لا أحد يستطيع تغيير المستقبل» وهي الرسالة الأبرز للفيلم، فهل ينجحون؟ وما هو الثمن؟ وما مصير آدم الكبير وزوجته لورا التي فاجأته بأنها ما تزال حية ولكنه خسرها مرة جديدة على يد مايا سوريان؟ كثيرة مفاجآت الفيلم وتقلباته التي تجعلك مشدوداً إليه حتى النفس الأخير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"